وعُقد المجلس وطلبوا الزاهر (١) فتغيَّب، وحضر ولده الأوحد، فقرئ المحضر، فقال ابن الصائغ: أنا أحلِّفك بأنك ما تعلم أنَّ شهودكم شهود زُور؟ فقال: أنا أصْبُو عن القضية، ونَكَلَ، فقال: وأطلب من شهودكم تعيين صفة الحِياصة، وما فيها من جوهر. فأفتى بعض الحضور بلزوم ذلك، فقال الحنفي: أنا أكشف هذا وأسأل أصحابنا، فإنَّ التعيين يختلف.
ثم ادَّعى زينُ الدين الوكيل بمضمون المحضر الأوّل، فقال ابن الصائغ: لي دوافع، منها أن الحاكم هو ابن السِّنجاري عدوِّي.
وانفصل المجلس، وقامت الحنفية على ابن الحَصيري، وعابوا حكمه، فقال: ما حكمي بباطل، لكنه لا يلزم الخصم. وبحثوا في ذلك، والحَّ ابن السَّكاكري لطلب الحكم، فأَخرج ابن الصائغ الفتاوى بأنَّ الدعوى من أصلها باطلة، أو هي بمجهول، وقال المُشِدُّ للحنفي: أما تحكم؟ فقال: لا والله. وقام مسترجِعًا، وكتب بذلك صورة مجلس، ثم قال المشدُّ بعد أيام: أيشٍ نعمل؟ قال: صلِّ في اللَّيل ركعتين، وادع أن يكشف لك أمري.
وسعى نائبا السلطنة طرنطاي ولاجين، وبيَّنوا للسلطان أنَّ القاضي مظلوم، ولاحت لهم شواهد في الحال، فأُطلق ولزم بيته، ثم انتقل إلى الله في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين بعد أن هلَّل سُوَيعة، ﵀، على خمس وخمسين سنة.
قرأت في "تاريخ" الشيخ تاج الدين الفَزَاري: كان ابن الصائغ شديد الوَطْأة على الشهود والنوّاب، وساس الولايةَ سياسة عظيمة، وعمَّر
(١) يعني: الملك، وهو داود ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.