قاضي القضاة بدر الدين السِّنجاري، وولي قضاء مصر نفسها والوجه القِبلي الشيخ عز الدين، مع خطابة جامع مصر، فاتفق أن بعض غلمان الصاحب معين الدين ابن الشيخ بني بنيانًا على سطح مسجد بمصر، وجعل فيه طبلَخاناه الصاحب فأنكر الشيخ عز الدين ذلك، ومضى بجماعته وهدم البناء، وعلم أنَّ السلطان والصاحب حَنَقا من ذلك، فأشهد على نفسه بإسقاط عدالة مُعين الدين وعَزْل نفسه عن القضاء، فعَظُمَ ذلك على السلطان، فكتب له بعزله عن الخطابة وإلّا شنّع على المنبر، كما فعل بدمشق، فعزله، فأقام في بيته يُشغل الناس.
وكانت عنده من الأمير حسام الدين بن أبي علي شهادةٌ تتعلق بالسلطان، فجاءه لأدائها، فبرز يقول للسلطان: هذا ما أقبلُ شهادته، فتأخَّرت القضية، ثم أُثبتت على السنجاري. وله أفعال من هذا الجنس محمودة.
وقد رحل إلى بغداد، فأقام بها أشهرًا، وذلك في سنة سبع وتسعين.
ونقلت من خط عبد الملك بن عساكر: أنَّ الشيخ عز الدين لما وليَ خطابة دمشق فرح به المسلمون، إذ لم يصعد هذا المنبر من مدة مديدة مثلُه في علمه وفهمه، وكان لا يخاف في الله لومةَ لائم لقوة نفسه، وشدة تقواه، فأمات من البِدَع ما أمكنه، فغيَّر ما ابتدعه الخطباءُ وهو لبسِ الطَّيلسان للخطبة، والضرب بالسيف ثلاث مرات، وإذا قعد لم يؤذن إلّا واحد، وترك الثناء ولزم الدعاء، وكانوا يقيمون للمغرب عند فراغ الأذان، فأمرهم بالتمهُّل في سائر المساجد، وكانوا دُبُر الصلاة يقولون: إنَّ الله وملائكته يصلُّون، فأمرهم أن يقولوا: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له،