للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حُكي: أنه كان إذا رأى ثمرة ساقطة تحت أشجاره لم يأكلها، خوفًا من أن يكون أتى بها طائر. اجتمعتُ به سنة ثمان وعشرين وست مئة، فصادفناه يستقي على حمار يسقي غيطَه من الخليج، فقدَّم لنا ثمرًا.

قال: وحدَّثني القاضي ابن خلِّكان عن المجد بن الخليلي: أنَّ الأثات المخلَّف عن القبّاري ثمنه نحو خمسين درهمًا، بيع بنحو من عشرين ألفًا.

قال الشريف عز الدين (١): هو أحد المشهورين بكثرة الورع والتحرِّي، والمعروفين بالانقطاع والتخلِّي، وترك الاجتماع بأبناء الدنيا، والإقبال على حالته، وطريقته قَلَّ أن يَقدِرَ أحد من أهل زمانه عليها، لا نعلم أحدًا في وقته وصل إلى ما كان عليه من خشونة العيش، والجِدِّ والعمل والانجماع، والتحرُّز من الرياء والسُّمعة، كان يزوره الملوك فمَن دونهم فلا يكاد يجتمع بأحدٍ منهم، وبالجملة لم يترك بعدَه مثلَه.

قلت: كان قد غَلَبَ على نفسه في إفراط الورع، بحيث إنه يتورع عن أشياء لا يرتابُ فقيهٌ في إباحتها، وهو نوع من الوَسْواس المحمود، وغلبة الحال حاكمةٌ على العلم من بعض الزهاد، فيفعل ذلك ولا يوجبه على غيره، بل ولا على نفسه، ويذكرون قوله : "دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك" (٢)، وقوله ورأى تمرة على فِراشه: "لولا أني أخشى أن تكون من الصَّدَقة، لأكلتُها" (٣)، فلولا ارتيابٌ وقع لهذا الشيخ لما بالغ في شيء من ذلك، وقد كان صادقًا في حاله مخلِصًا، كبيرَ القَدْر.


(١) صلة التكملة: (٩٣٤).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٢٣)، والترمذي (٢٥١٨)، والنسائي (٥٧١١) من حديث الحسن بن علي ، وإسناده صحيح.
(٣) أخرجه البخاري (٢٤٣١)، ومسلم (١٠٧١) من حديث أنس بن مالك .

<<  <  ج: ص:  >  >>