للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ناصر الدين أحمد بن المنيِّر عالم وقته بالثَّغْر، قال: وقد كان الشيخ في مبدئه قد حُبِّب إليه سماعُ العلم وبُغِّض إليه تناولُ غير ميراثه من أبيه، فلا يُذكَر عنه في أمره أنه قَبِلَ من أحد لُقْمة، وكان يَحضُر مجالس العلم على ثِقَل سمعه، ثم يسأل من يعيد له بصوتٍ عال كلام المدرِّس. وكان قلَّ أن يدعو لأحد، فإذا طلب منه قال: ما تحتاج، وربما يقول: لا أشتهي لأحد إلّا خيرًا، وأودُّ لو كان كلُّ الناس على الخير.

قال لي مرةً: يطلب أحدهم مني الدعاءَ بلسانه، ويظهر لي من قرائن أحواله أنَّ قلبه غافل، وأنَّ نفسه قاسية على نفسه، وكيف أرقُّ عليها وكيف أدخلها الرِّقة، قال: حضر عندي كبير في غاية البَذَخ وفاخر الملبوسِ وعلى الباب المراكب الثمينة، وبين يديه المماليك، وهو يتحدث مع رفيقه، ثم سألني الدعاءَ فأجريتُه على العادة، فناقشني فقال: يَصعُب عليه هذا، قلت: ألستَ تعلم أنَّ الدّعاء طلبُ الضعيف من الرَّب الرحيم؟ قال: بلى، قلت: أيُطلَب منه برِقَّة أم بقسوة؟ قال: برِقّة، قلت: ما أجدُها عليك ولا أجدها منك، فبأيِّ أدعو.

وقال لي: أقمتُ زمانًا أصافحُ تمسُّكًا بالحديث، ثم وجدتُ النفس عند المصافحة تتصرّف في الإنسان، فرُبَّ من تبسطُ له الكفَّ بسرعة وآخر تتكلّف له فقلت: العدل خير من المصافحة، فتركتها، ومالكٌ يقول: ليست من عمل الناس، وربما قال: الأمر فيها واسع.

قال: وجاء والي الإسكندرية، وقال: تأذن لي إذنًا عامًّا كلما أردتُ أن أجيء؟ قلت: لا آذنُ لك، لأنكم كالمَرَض. وقال: لو علمتُ أنَّ الملوك لا يأخذهم الغرورُ بإقبالي عليهم لأقبلتُ، ولو علمتُ قابلًا للنَّصيحة لأتيتهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>