قال الشيخ عَلَم الدين: حدَّثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال: حججتُ في سنة خمس عشرة فاجتمعتُ بابن الحارثيِّ المُفتي شمسِ الدين، فقال لي: رأيت في النوم كأنَّ قِنديلًا بمحراب جامع الصالحيّة قد طفئ، فقلت لهم في إشعاله، فقالوا: ما بقيَ يعود، وقد أوَّلتُه على موت القاضي تقي الدين سليمان. قال أحمد: فلمّا قَدِمْنا إلى عَقَبة الصوّان سمعنا بموته.
وقد نال القاضي من المشاقِّ نَوْبةَ قازان ما رُحِمَ به، فإنه قعد في جماعته بالدّير فنُهِبوا وعُذِّبوا، وسُبيَت الذُّرية، فقال القاضي: أُسر من بيتنا وبني عمِّنا نحو السبعين.
قال الشيخ سعد الدين ابن سعد: أُخرج القاضي بأيدي التتار على رأسه طاقية وعليه فَرْوة ما تساوي خمسة دراهم، وفي رقبته حبل، فغاب إلى العشاء وجاء مكشوف الرأس، وقد توصَّل وتسلَّق من الفطاير، فسألناه عن حاله فقال: أوقَدُوا نارًا، فظننتُ أنهم يُعذِّبوني، وإذا هم بصوتٍ وصياحٍ، فذهبوا وبَقِيتُ وحدي، فعدتُ إليكم.
ثم إنه دخل المدينةَ مع ناس من التتار على جُعْل فجَبَوا لهم مالًا من أهل البلد، وأَتى إلى الجوزية في أطمار رَثَّة، فأحضر له القاضي تقي الدين ابن الزَّكِيّ جُبّةً.
إلى أن قال عَلَم الدين: جاء خبرُ موته إلى المدينة عشاءَ الآخرة، وحضره نائبُ السلطنة والكِبار، وصلَّى بهم عليه ابن تمّام، ثم خطيب البلد، ثم ابن تيميّة، وتأسَّف الناس عليه.