للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ودقائقه، وقواعده وحُجَجه، والإجماع والاختلاف، حتى كان يُقضَى منه العجبُ إذا ذَكَرَ مسألةً من مسائل الخلاف، ثم يستدلُّ ويرجِّح ويجتهد، وحُقَّ له ذلك، فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أحدًا أسرعَ انتزاعًا للآيات الدالّة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشدَّ استحضارًا لمتون الأحاديث وعزوها إلى "الصحيح" أو إلى "المسند" أو إلى "السنن" منه، كأنَّ الكتاب والسُّنن نصبَ عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رَشِقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالِف.

وكان آيةً من آيات الله تعالى في التفسير والتوسُّع فيه، لعلَّه يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين، وأما أصول الدِّيانة ومعرفتها ومعرفة أحوال الخوارج والرَّوافض والمعتزلة وأنواع المبتدِعة، فكان لا يُشَقُّ فيه غبارُه، ولا يُلحَق شَأْوُه.

هذا مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثلَه قطُّ، والشجاعة المُفرِطة التي يُضرَب بها المثل، والفراغ عن ملاذِّ النفس من اللباس الجميل والمأكل الطيب والراحة الدُّنيوية.

ولقد سارت بتصانيفه الرُّكْبان، في فنونٍ من العلم وألوان، لعلَّ تواليفه وفتاويه في الأصول والفروع والزُّهد واليقين والتوكُّل والإخلاص وغير ذلك تبلغ ثلاث مئة مجلد، لا بل أكثر.

وكان قوَّالًا بالحق، نهَّاء عن المنكر، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ذا سَطْوة وإقدام وعدم مداراة الأغيار، ومَن خالطه وعرفه قد يَنسُبني إلى التقصير في وصفه، ومَن نابَذَه وخالفه يَنسُبني إلى التَّغالي فيه، وليس الأمر كذلك، مع أنني لا أعتقد فيه العِصمةَ، كلّا! فإنه مع سَعَة علمه

<<  <  ج: ص:  >  >>