وفَرْط شجاعته وسَيَلان ذهنه وتعظيمه لحُرُمات الدين، بشرٌ من البشر، تعتريه حِدّةٌ في البحث، وغضب وشَظَف للخصم، تَزرَعُ له عداوة في النفوس، ونُفورًا عنه، وإلَّا والله فلو لاطفَ الخصومَ ورَفَقَ بهم ولزم المجاملةَ وحسن المكالمة، لكان كلمةَ إجماع، فإنَّ كِبارَهم وأئمَّتهم خاضعون لعلومه وفقهه، معترفون بشُفوفه وذكائه، مقرُّون بنُدور خطئه.
لستُ أعني بعضَ العلماء الذين شعارُهم وهجِّيراهم الاستخفافُ به والازدراءُ بفضله والمَقْت له، حتى استجهلوه وكفَّروه، ونالوا منه من غير أن ينظروا في تصانيفه، ولا فَهِموا كلامه، ولا لهم حظٌّ تامٌّ من التوسُّع في المعارف، والعالِم منهم قد يُنصِفه ويردُّ عليه بعلم، وطريقُ العقل السكوتُ عمّا شَجَرَ بين الأقران، رحم الله الجميع.
وأنا أقلُّ من أن ينبِّه على قَدْره كَلِمي، أو أن يوضح نبأَه قَلَمي، فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه مقرُّون بسرعة فَهْمه، وأنه بحرٌ لا ساحلَ له، وكَنْز لا نظيرَ له، وأن جُودَه حاتميّ، وشجاعته خالديّة، ولكن قد يَنقِمون عليه أخلاقًا وأفعالًا، مُنصِفهم فيها مأجور، ومُقتصِدهم فيها معذور، وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور، وكلُّ أحد يُؤخَذ من قوله ويُترَك، والكمال للرُّسل، والحُجّة في الإجماع، فرحم الله امرأً تكلَّم في العلماء بعِلْم، أو صمت بحِلْم، وأمعَنَ في مضايق أقاويلهم بتُؤَدة وفهم، ثم استغفر لهم ووسَّع نطاق المعذرة، وإلا فهو لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.
وإن أنت عَذَرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تَعذُر ابن تيميَّة في مفرداته، فقد أقررتَ على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف، وإن قلتَ: لا