فجعله صِلةٌ لـ "تاريخ" أبي شامة في خمس مجلَّدات أو أكثر، وله مجاميع مفيدة كثيرة وتعاليق، وعملٌ في فنِّ الرواية قلَّ مَن بلغ إليه، وبلغ عدد مشايخه بالسَّماع أزيدَ من ألفين، وبالإجازة أكثرَ من ألف، رَتَّب ذلك كلَّه وترجمهم في مسوَّدات مُتقَنة.
وكان رأسًا في صِدْق اللَّهجة والأمانة، صاحب سُنّة واتِّباع ولزوم للفرائض، خيِّرًا متواضعًا، حسنَ البِشْر، عديم الشَّر، فصيح القراءة، قويّ الدِّراية، عالمًا بالأسماء والألفاظ، سريع السَّرْد مع عدم اللَّحن والدَّمْج، قرأ ما لا يوصف كثرةً، وروى من ذلك جملةً وافرة.
وكان حليمًا صبورًا متودِّدًا، لا يتكثَّر بفضائله ولا يتنقَّص بفضائل أخيه، بل يُوفِّيه فوق حقّه، ويلاطف الناسَ، وله وُدٌّ في القلوب، وحبٌّ في الصدور.
احتَسَبَ عدةَ أولاد دَرَجُوا: منهم محمدٌ، تلا بالسَّبع وحفظ كتبًا وعاش ثماني عشرة سنة، ومنهم فاطمة عاشت نيِّفًا وعشرين سنة، وكتبت "صحيح البخاري" و "أحكام" المَجْد وأشياء.
وله إجازات عالية عامَ مولده من ابن عبد الدائم، وإسماعيل بن عزُّون، والنَّجيب، وابن عَلّاق، وحدَّث في أيام شيخه ابن البخاري، وكان حلوَ المحاضَرة، قويّ المذاكَرة، عارفًا بالرِّجال والكِبار ولا سيَّما أهل زمانه وشيوخهم، يُتقِن ما يقوله، ولم يُخلِّف في معناه مثلَه، ولا عمل أحدٌ في الطلب عملَه.
حجَّ سنة ثمان وثمانين، وأخذ عن مشيخة الحرَمين، وخرَّج "أربعين بُلدانية"، ثم حجَّ أربعًا بعد ذلك، وفي عام وفاته تُوفِّي بين الحرمين مُحرِمًا