وكان باذلًا لكتبه وأجزائه، سَمْحًا في أموره، مُؤثِرًا متصدِّقًا رَحُومًا، مشهورًا في الآفاق، مَقصَدًا لمن يلتمس إسماعه، وكان هو الذي حَبَّب إليَّ طلبَ الحديث، فإنه رأى خطِّي فقال: خطك يشبه خط المحدِّثين، فأثَّر قوله فيَّ، وسمعتُ وتخرَّجتُ به في أشياء.
وليَ قراءةَ دار الحديث سنة عشر وسبع مئة، وقراءةَ الظاهرية، وحضر المَدَارس، وتفقَّه مدةً بالشيخ تاج الدين عبد الرحمن وصَحِبَه وأكثرَ عنه وسافر معه، وجوَّد القرآن على الرضيِّ ابن دَبُوقا، وتفرَّد ببعض مرويّاته، وتخرَّج به الطلبة.
وما أظنُّ الزمانَ يَسمَحُ بوجود مثله، فعند ذلك نَحتسِب مُصابَنا بمثله، ولقد حَزِنَ الجماعةُ به خصوصًا رفيقه أبو الحَجّاج شيخُنا، وبكى عليه غيرَ مرّةٍ، وكان كلٌّ منهما يعظِّم الآخر ويعرف له فضلَه، وكان ﵀ وعفا عنه قد أَقبل على الخير في آخر عمره وضَعُفَ وحصل له فَتْق، وخُتِم له بخير والله الحمد.
وانتقل إلى رضوان الله تعالى بخُلَيْص، في بُكْرة يوم الأحد الرابع من ذي الحِجّة سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، عن أربع وسبعين سنة ونصف.
ووليَ بعده مشيخة النُّوريّة شيخُنا المِزِّي، ومشيخةَ القُوصيّة ابن رافع، ومشيخةَ النَّفِيسية العبدُ، وباقي وظائفه جماعةٌ، ووَقَفَ كتبَه وعَقَارًا جيّدًا على الصدقة.
قرأتُ على القاسم بن محمد الحافظ في سنة أربع وتسعين وست مئة: أخبَرَكم المُسلَّم بن علّان؛ وأجاز لنا المُسلّم قال: أخبرنا حَنْبَل قال: أخبرنا