فقمت أَعدو إلى الماء، فشربتُ من شدة عطشي، ووجدتُ في خاصرتي فَزْرًا من الحجارة وفي رأسي فتحًا، ثم أَراني القاضي أثر ذلك في كَشْحه ووضع أصابعي على جورة في رأسه تسع باقِلّاةً.
قال: ودخلتُ البلدَ إلى إنسان أعرفه، فمضى بي إلى ابن عمٍّ لنا وهو الصَّدر الخُجَندي، وكان مختفيًا بالصالحيّة، وله غلامان ينسجان ويُطعِمانه، اختفى لأمور بَدَت منه زمن هولاكو، وكَتَب معي ورقة إلى نسائه بالبلد، وكانت بنتُه ستُّ البهاء التي تزوَّج بها الشيخ زين الدين بن المنجَّا وماتت معه، هي أختي من الرَّضَاعة، فأقمتُ عندهنَّ مدةً لا أخرج حتى بَلَغَتُ وحفظتُ القرآن بمسجد الزلَّاقة، فمررتُ يومًا بالدِّيماس فإذا بعمِّي، فقال لي: هاه جَمَال! امشِ بنا إلى البيت، فما كلَّمتُه وتغيَّرتُ، ومعي رفيقان فقالا لي ما بك؟ فسكتُّ وأسرعت، ثم رأيتُه مرة أخرى بالجامع، فأَخذ أموالي وذهب إلى اليمن وتقدَّم عند ملكها ووَزَرَ له، ومات عن أولاد، وأما الخجندي فأُخِذ وسُجِن مدةً، ثم نُقل إلى مصر معتقلًا، ثم مات عن ولدٍ جنديّ قُتل في وقعة حمص سنة ثمانين.
وجوَّدتُ الختمةَ على الزَّوَاوي، وتفقَّهتُ على النجم الموغاني، وتردَّدتُ إلى الشيخ تاج الدين، وتفقَّهتُ بابن جَمَاعة، وقرأتُ عليه "مقدمة ابن الحاجب"، وعلى ابن الفَزَاري.
ثم وَلِيتُ القضاءَ من جهة ابن الصائغ وغيره، ونُبْتُ يومًا بجامع دمشق عن ابن جماعة، فقيل له: إن دام هذا راحت منك الخطابةُ؛ يعني لحسن أدائه وكمال هَيْئته، فإن هذا القاضي كان مليحَ الصورة، أبيض مستدير اللحية، فصيحَ العبارة، فاخر البِزَّة، عارفًا باللغة، خبيرًا بالأحكام، قويَّ