سمع "الصحيح" غيرَ مرَّة من ابن الشِّحْنة، وسمع "صحيح مسلم" وكتاب "الآثار" للطَّحَاوي، وسمع من عيسى المُطعِّم، وأبي بكر بن عبد الدائم، وحدَّث، قرأ عليه المَقْريزي "ثلاثيّات البخاري" بالمدينة النبوية.
وكان فيه حِدّة وقِلّة رأفة، وَقَفَ مدرسة وأنشأ رِباطًا ببيت المقدس، ودارَ قرآن بدمشق، وجامعًا بظاهر دمشق، وكان محتجِبًا عن غالب الأمور، فدخل عليه الداخلُ من أناس مكَّنهم ثم استأصَلَهم، وكان لا يُفكِّر في العاقبة، ولا له رأيٌ ولا دهاء، ولكلِّ أجلٍ كتاب، بَيْنا هو في احتفال لعُرس ولديه الصبيَّين على ابنتي مولاه السلطان، إذ بلغ السلطانَ عنه أمور ومخالفةٌ لمَراسيمِه، فتَنمَّر له ودار عليه، وجَهَّز لإمساكه نائبَ صَفَد طشتمر، فبعثه وبادر الأمراء إلى خدمة طاشتمر بأمرٍ أتاهم، وركب الجيشُ، وأُغلقت أبواب البلد، ثم أتاه الحاجب قرمشي وطرنطيه البشمقدار، فحار وخذل، وخرج إلى نائب صفد وقد استَسلَم، فقُيِّد وبُعِث على البريد، ثم سَكَنَ البلدُ ولم يَنتطِح فيها عَنْزان، وذلك يوم الثالث والعشرين من ذي الحِجّة سنة أربعين وسبع مئة.
ثم بعد اثني عشر يومًا وصل كبيرُ الدولة سيف الدين بشتك ونزل بقصر الملك الظاهر، وجُمِعت حواصل تنكز، وما كان استَكنَز من ذهب وجوهر وخيل ورقيق، وقصور وبساتين وقرى، مما لم يتهيَّأ مثلُه إلا لسلطان، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: ٢٦]، وأُوذِيَ غِلمانُه ونوّابه وأتباعه وعُصِروا، وأُخِذت أموالهم، وزاد البلاء.
وبعد أيامٍ قُتِل مملوكاه: طغاي وجونغاي، اللذان دَمَّرا عليه وحسَّنا له الفرارَ خوفًا على أنفسهما، وكان قد اعتمد عليهما ففَعَلا في الأمور قبائحَ