وارتَشَيا كثيرًا، وكان لا تتمُّ ولايةٌ ولا عزلٌ حتى يستأذنَهما الحاجب أو الوالي، فما رَضِياه هو الذي يتمُّ وإن كان فيه فساد كبير، وما أبَيَاه لا يتمُّ ولو كان الأصلحَ والأَولى، ثم إنه هو لو اطَّلَع على حقائق الأمور لما كان في حَلِّ الأشياء يُبرِم أمرًا جيدًا، إما أن يعتدي وإما أن يقصر.
كان سيِّئَ الرأي لا يصلح لسياسة الرعيَّة، بل هو حُطَمة غُشَمة جبّار، يخافه العدو والصديق، ويَحذَره المُحِقُّ والمُبطِل، لا يصفح عن ذنب ولا يُقِبل عَشْرة أحد، فصار له بهذا وقعٌ في النفوس وهَيْبة، وجمع المفسدين، وأكثر من سماع الغِناء، وشرب القِمِزّ (١)، وعمل قبائحَ، ومع هذا فلما أُخذ رَقَّ له كثير من الرعيّة وحزنوا له ولهَوْل مصرعه.
ومات تحت الضرب بالثَّغر، وقيل: بل سُقى، وهو أصح، وذلك في العشر الأخير وصلَّى عليه أهل الثغر في المحرَّم سنة إحدى وأربعين وسبع مئة، وله بضع وستون سنة.
وأُخذت سَرَاريُّه وأولاده إلى مصر، ووُجِد له من الذهب النَّقد أزيد من ثلاث مئة ألف، ومن الدراهم ألف ألف ونحو ست مئة ألف، ومن الخيل والإبل والبغال نحو الألف، ومن الرَّقيق عِدّة، ومن الحواصل والعُدّة وفاخر الأمتعة ما لا يوصف، ومن الذخائر والجوهر والزركش ما يناسب ذلك، وأَخذوا الغُلامَيه ما يساوي مئتي ألف مثقال وأزيَد.
وأُمسك في هذه الكائنة ثلاثة أمراء أعيان وأُخذت أمواله وكُحِل صاروجا، والآخران هما: طبيغا والجي بغا، وهَلَكَ جماعة، وتقدَّم آخرون، وتفاصيل
(١) هو شراب رائب يتَّخذ من حليب الفرس، واللفظ تتري الأصل كما في ذكر الأستاذ المعلِّق على كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" ٧/ ١٧٥.