الورَع، مديمًا للسهر، مُكبًّا على المطالعة والجَمْع، قلَّ أن ترى العيونُ مثله، وكان سَمْحًا جوادًا زكيّ النفس، نَزْر الحديث، عديم الدعاوى، له اليد الطُّولى في الفروع والأصول، وبصيرٌ بعِلل المنقول والمعقول.
قد قهره الوَسواس في أمر المياه والنَّجاسات، وله في ذلك عجائب، وكان يميل إلى التَّسرّي والتمتُّع، وله عدَّة بنين بأسماء العشرة.
تفقه بأبيه وبأبي عبد الله، وتخرَّج به أئمة، وكان لا يَسلُك المِراءَ في بحثه، بل يتكلم بسكِينةٍ كلماتٍ يسيرة، فلا يُرادُّ ولا يُراجِع.
روى عنه: أبو الفتح اليَعْمُري، وقطب الدين بن منير، وقاضي القضاة القُونَوي، وقاضي القضاة عَلَم الدين، وآخرون. وحدَّثني إملاءً.
ومناقبُه عديدة، من أغربها: قال ابن رافع: حدثنا القاضي عبد الكافي بن علي بن تمّام، قال: حكىَ لي الشيخ قطب الدين السّنباطي قال: قال الشيخ تقي الدين - يعني ابن دقيق العيد -: لِكاتب الشِّمال سِنين لم يَكتُب عليَّ شيئًا. قلت: لكن الشيخ لم يعن هذا، ولعله ذكره بنيَّةٍ صالحة، والعالِم إذا ذمَّ نفسَه ولازَمَ الصّمتَ فقد نجا.
قال قطب الدين الحافظ: كان ممن فاق بالعلم والزهد، عارفًا بالمذهبين، إمامًا في الأصلين، حافظًا في الحديث وعلومه، يُضرَب به المثل في ذلك، وكان آية في الإتقان والتحري، شديدَ الخوف، دائمَ الذِّكر، لا ينام الليل إلّا قليلًا، يقطعه بمطالعةٍ وذِكْر وتهجُّد، وأوقاتُه كلُّها معمورة. صنَّف كتبًا جليلة، كمَّل تسويد كتاب "الإمام"، وشرَحَ "مقدمة المُطرِّزي" في أصول الفقه، وألَّف "الأربعين في الرّواية عن ربِّ العالمين"، وشرح بعض "الإمام" شرحًا عظيمًا، وبعض مختصرات ابن الحاجب في الفقه. عزل