للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عرض، أو اعترض من المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض، أو خَطَبَ أسهَبَ في البلاغة، وأطنَبَ في البراعة، أو كتب فوحي الكلام يتنزَّل على يَراعه، فللّهِ دَرُّه إذ ارتفع بنفسه، وإن كان له من أبويه ما يقتضي الارتفاع، وعلا على أبناء جنسِه فكان مِن رِفْعة المنزلة في المكان النفّاع، إن ذُكِر التفسيرُ حُمِد فيه محمودَ المذهب، أو الحديثُ فالقُشَيريُّ فيه صاحب الرَّقْم المُعلَم والطِّراز المذهّب، أو الفِقهُ فأبو الفتح العزيز الإمامُ الذي الاجتهادُ إليه يُنسَب، أو الأصولُ فأين ابن الخطيب من الخطيب، وهل يُقرَنُ المخطئُ بالمُصيب؟ أو الأدبُ فإن اقتصرتَ قلتَ: نابغة زمانِه، وإن اختصرتَ قلت: حبيب، لم يَشغَله عن النّظر في العلوم كثرةُ المناصب، ولا ألهاهُ علوُّ المراتب، ولا صرَفَه عن التصرُّف فيه لَذّهُ المطاعم وعذوبة المشارب، طالما لازَمَ السهر حتى أسفر وجهُ الصَّباح، مشتغلًا بالذِّكر والفِكْر لا بذوات الألفاظ الفِصَاح، والوجوه الصِّباح.

وتُبدي له الدنيا من الحُسْن جُمْلَةً … يَهِيمُ بها النُّسّاكُ لو شاهدوا البَعْضا

فيُعرِض عنها لاهِيًا عن جَمالها … ويُوسِعها بُعْدًا ويَرفُضُها رَفْضا

ويَسهَرُ في فِكْرٍ وذِكْرٍ وفي عُلا … ومَن بات صبًّا بالعُلى جانب الغَمْضا

تمسَّكَ من التقوى بالسَّبب الأقوى، وقام بوظيفة التَّحقيق والتَّدقيق التي لا يُطيقُها غيرُه من أهل زمنه ولا عليها يَقوى، مع تَرْك المُباهاة بما لديه من الفضائل، والسلامة من الدعوى، وجعل وظيفةَ العلم والعمل مِلّة، حتى قال بعض الفضلاء: مِن مئة سنة ما رأى الناس مثله.

حاز علمًا ودِينًا ونزاهة، فعَظُم قدرًا وجاهًا ووجاهة، ومَن غَرَس

<<  <  ج: ص:  >  >>