ثمانين وست مئة في قراءة البخاري لدفع البلاء، فأكملوه إلّا يسيرًا، قال كمال الدين محمّد بن علي الهَمَذاني: رأيت شيخنا ابن دقيق العيد، فقال لي متبسِّمًا: قد انقضى الشُّغل من أمسِ بعد العصر، يريد النصر، فقلت له: عن يقين؟ فقال: أوَيُقالُ مثل هذا عن غير يقين؟! قلت: عن معاينةٍ أو خبر عالٍ؟ قال: بل عن خبر، ثم قال: ولقد كنا بقُوص بأخبارهم في وقعة عين جالوت، بمنزلِه في قدومهم وذهابهم. إلى أن قال: وله في الأدب باعٌ وَسَاع، وكرمُ طبعٍ، لم يخلُ في بعضها من حُسْنِ انطباع، حتى لقد كان الشهاب ود يقول: لم تَرَ عيني آدَبَ منه، لكنّه في القضاء أطلَقَ في الاستِنابة خطَّه، فربما استأمَن من لا ينوءُ بالأمانة حملُه، وربما حسَّن الظنَّ في فعله، فلو اقتصر على الفُتيا والدَّرس ولم يَكسر أعماله الصالحة بهذا اللَّبس، لكان ثَوْرِيَّ زمانه، وأوْزَاعيَّ أوانه، والعبد لا يَنتفِي من مقدور، ولا يَقتفِي إلّا ما هو عليه في الكتاب مَسطُور.
وقال كمال الدين جعفر في "الطالع السعيد" في ترجمة ابن دقيق العيد: التقيُّ ذاتًا ونعتا، والسالكُ الطريقِ الذي لا عِوَجَ فيه ولا أمْتا، والمُحْرِز من صفات الفْضل فنونًا مختلفة وأنواعًا شتَّى، والمحلَّى بالحالَتين الحسنتين هديًا وسَمْتا، الشيخُ الإمام علَّامة العلماء الأعلام، وراوية فنون الجاهلية وعلوم الإسلام، ذو العلوم الشرعيّة، والفضائل العقليّة، والفنون الأدبية، والمعارف الصوفية، والباعِ الوافي في استنباط المسائل، والأجوبةِ الشافية لكلِّ سائل، والاعتراضاتِ الصحيحة التي يجعلها الباحثُ لتقرير الإشكالات وسائل والخُطَبِ الصادعة الفصيحة البليغة التي تُستفاد منها الرسائل، إن عَرَضت الشبهات بَرَّزَ جوهر ذهنِه ما