ومذهب أبي حنيفة أنه طاهر على نحو قول ابن المواز. قال بعضهم في توجيه قول مالك أنه مثل الذي أخذ منه ميتة، وأنه تحله الحياة، فإذا فارقته صار ميتة، واحتج لكونه تحله الحياة بقوله تعالى:{قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة}[يس: ٧٨]، فدل على أن في العظام روحًا؛ لأن إعادة الحياة لا تكون إلا فيما كان حيًا ثم مات. وحجة أبي حنيفة أنه ليس بميتة أنه لا تحله الحياة فتفارقه، فيكون ميتًا، وتأول قوله تعالى:{قال من يحيي العظام وهي رميم)) على أنه أراد أصحاب العظام فجعل هذا من لحن الخطاب، ولا معنى لاعتبار الحياة في العظم لأنه باتفاق جزء من الميتة، وإنما يرجع النظر إلى الانتفاع بالميتة هل يجوز أم لا؟ وما مقصود الآية من ذلك. ومن ذلك شعر الميتة وصوفها كان مما يؤكل لحمها أم لا كشعر بني آدم وشعر الكلب والخنزير. اختلفوا فيه فذهب مالك وأكثر أصحابه والشافعي في أحد أقواله وغيره إلى أنها نجسة. وقال أصبغ: هي طاهرة إلا شعر الحنزير. وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد أقواله: شعور بني آدم طاهرة، وما عداه نجسة، ومأحذ الخلاف في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} هل هو راجع إلى الأكل أو إلى سائر المنافع على الإطلاق؟ أو إلى بعضها على حسب ما يعضد ذلك من الظواهر الواردة في الشرع؟ وقد استدل بعضهم لطهارتها بقوله تعالى:{ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين}[النحل: ٨٠] فعم ولم يفرق بين شعر الميتة وغيره. قال أبو الحسن: واقتضى أيضًا ظاهر الأية تحريم الانتفاع بدهن الميتة. وروى فيه محمد بن إسحاق عن عطاء، عن جابر قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتاه أصحاب الصليب الذين يجمعون الأوداك. قالوا: يا رسول الله إنا نجمع الأوداك وهي الميتة وغيرها وإنما