عبيد إنما هو بعد الإذن لأن الناس إنما توقفوا عن الأكل بعد الإذن فأباحه الله تعالى. وقال غيره الأكل جائز بالآية من غير إذن وليس في الآية ذكر الإذن. وقال أكثر أهل التأويل هي محكمة وذلك أنهم كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيحهم عند أهل العلة ممن يتخلف وعند قربائهم، فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا منها ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم طيبة بذلك فأنزل الله تعالى هذه الآيات فأحله لهم. واعتبار الإذن أيضًا على هذا القول يأتي على الخلاف المتقدم. وما أباح الأكل من بيوت هؤلاء الأصناف بغير إذن فإنما يبيحه إذا كان يسيرًا وعلم أن نفس صاحبه راضية.
وقوله تعالى:{ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا}:
أباح بهذه الآية الأكل على انفراد ومع الغير وهذا رد لمذهب قوم من العرب كانت لا تأكل أفرادًا ألبتة. قاله الطبري وكانوا يسمون الذي يأكل وحده الموضع. وكان أحدهم إذا وضع طعامه ليأكل أو حلب لقحته ليشرب نادى من حوله، فإن أجابه أحد وإلا نصب عودًا أو خشبة عوض الأكل معه. وحكي أن رجلًا من العرب نزل واديًا وحلب لقحته ونادى من يشرب منعه، ورجل يسمعه فلم يجبه واختفى له. فأخذ عودًا أو خشبة فنصبها ثم أخذ الإناء ليشرب فخرج ذلك الرجل إليه فقال: يا موضع، اشرب وحدك، فخشي الآخر أن يعلم بذلك فيعير بالشرب وحده فعدا عليه بالسيف فقتله فلما جاء الإسلام نزلت الآية. ومن ذلك قول بعضهم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلًا فإني لست آكله وحدي