إنما ينسخ المتقدم بالمتأخر، وصلاة الخوف إنما نزلت سنة سبع وكان أمر الخندق سنة خمس والصحابة أعرف بالنسخ، وقد صلوا صلة الخوف، فيجب على هذا أن تكون صلاة الخوف ناسخة للتأخير. وأما تخصيصهم لها بالنبي صلى الله عليه وسلم فضعيف، والخلاف ينبني على مسألة قد تنازعها الأصوليون وهو أنه ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم هل يحتاج إثباته في حق غيره إلى دليل أم لا؟ ولا شك أن المخاطب بهذه الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا قلنا بإثبات جوزها عمومًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، فإنما هي على جهة التوسعة والرخصة، فلو صلاها الناس بإمامين كان جائزًا، ولو صلاها قوم بإمام قوم منفردين بغير إمام جاز. وإذا قلنا: إنها على جهة التوسعة فهل تفعل في السفر خاصة أو في السفر والحضر؟ في ذلك قولان، فالجمهور على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر والسفر، وهو مذهب مالك وأكثر أصحابه.
وقال بعضهم: لا صلاة خوف في حضر، وقاله في المذهب ابن الماجشون. وحجة القول الأول قوله تعالى:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية، فعم، ولم يخض حضرًا من سفر عل التأويلين جميعًا في الآية؛ لأن هذا ابتداء كلام مكتف بنفسه. وكان أهل القول الثاني ذهبوا إلى التأويل الأكثر في الآية، وتأولوا قوله تعالى:{وإذا كنت فيهم}، أي إذا كنت فيهم وحالكم ما تقدم، أي وأنتم ضاربون في الأرض، فحملوا الآية على صلاة الخوف في السفر خاصة والأظهر حملها على صلاة الخوف في الحضر والسفر؛ لأنه نص أولًا على السفر ثم ابتدأ بكلام عام في السفر