وفي هذه الآية ست مسائل: الأولى: قال علماؤنا: آية يوسف، نص في جواز الكفالة. وقال القاضي أبو إسحاق المروزي: ليس هذا من باب الكفالة، فإنها ليس فيها كفالة إنسان عن إنسان، وإنما هو رجل التزم عن نفسه وضمن منها، وذلك جائز لغة، لازم شرعًا، قال الشاعر: فلست بآمر فيها بسلم ... ولكني على نفسي زعيم وقال غيره: وإني زعيم إن رجعت مملكًا ... بسير ترى منه الفرانق أزورا قال الإمام أبو بكر بن العربي هذا الذي قاله القاضي أبو إسحاق صحيح، بيد أن الزعامة فيه نص، فإذا قال: أنا زعيم فمعناه: أني ملتزم، وأي فرق بين أن يقول التزمه عن نفسي أو التزمت به عن غيري؟ الثانية: (وأنا به زعيم) إنما يكون في الحقوق التي تجوز النيابة فيها، وأما كل من لا يقوم فيه أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيها، وتركب على هذا مسألة وهي: الثالثة: إذا قال: أنا زعيم لك بوجه فلان، قال مالك: يلزمه، وقال الشافعي: لا يلزمه لأنه غرر، إذا لا يدري هل يجحده أم لا؟ والدليل على جوازه أن المقصود بالزعامة تنزيل الزعيم مقام الأصل، والمقصود من حضور الأصل أولًا المال، فكذلك الزعيم. الرابعة: كما أن لفظ الآية نص في الزعامة فمعناها: نص في الجعالة، وهي نوع من الإجارة، لكن الفرق بين الجعالة والإجارة: أن الإجارة: يتقدر فيها العوض، والمعوض من الجهتين، والجعالة: يتقدر فيها الجعل، والعمل غير مقدر. ودليله: أن اللَّه سبحانه، شرع البيع والابتياع في الأموال، لاختلاف الأغراض وتبدل الأحوال، فلما دعت الحاجة إلى انتقال الأملاك، شرع لها سبيل البيع وبين أحكامه، ولما كانت المنافع كالأموال في حاجة إلى استيفائها إذ لا يقدر كل أحد أن =