- فمن روى أنه كان قارنًا، أراد أنه اعتمر آخره، وما بعد إحرامه. - ومن روى أنه كان متمتعًا أراد التمتع اللغوي، وهو الإنتفاع والإلتذاذ، وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد، ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل، ويؤيد هذا الذي ذكرته: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة، لا قبل الحج ولا بعده، "المجموع" ٧/ ١٥٠، ١٥١. والذي أراه أن الإِفراد أفضل وقد رجحه الشافعي والأصحاب وغيرهم بأشياء: - منها: أن الأكثر في الروايات الصحيحة في حجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. - ومنها: أن رواته أخص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الحجة، فإن منهم: جابرًا، وهو أحسنهم سياقًا لحجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه ذكرها من أول خروجه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المدينة إلى فراغه وذلك مشهور في صحيح مسلم وغيره، وهذا دليل على ضبطه لها واعتنائه بها. ومنهم: ابن عمر، فقد قال: كنت تحت ناقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج. ومنهم: عائشة وقربها من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معروف وإطلاعها على باطن أمره وفعله في خلوته وعلانيته مع فقهها وعظم فطنتها. ومنهم: ابن عباس، وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب، مع كثرة بحثه وحفظه أحوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التي لم يخفها، وأخذه إياها من كبار الصحابة. ومنها: أن الخلفاء الراشدين رضي اللَّه عنهم بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أفردوا الحج، وواظبوا عليه، كذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان، واختلف فعل علي رضي اللَّه عنهم أجمعين، وقد حج عمر بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردًا، ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم، وعلموا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حج مفردًا، لم يواظبوا على الإِفراد مع أنهم الأئمة الأعلام، وقادة الإِسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ أو أنهم خفي عليهم جميعهم فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-.