للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس على الله بمُستنْكَرٍ ... أن يَجْمع العالمَ في واحدِ (١)

قال التاج رحمه الله:

"قلتُ: أما أنا فأقول، والله على لسان كل قائل: كان ذهنه أصحَّ الأذهان، وأسرعها نفاذًا، وأوثقها فهمًا، وكان آية في استحضار التفسير، ومتون الأحاديث، وعَزْوِها، ومعرفة العِلل وأسماءِ الرجال، وتراجِمهم ووَفَياتهم، ومعرفةِ العالِي والنازِل، والصحيحِ والسقيم، عجيبَ الاستحضار للمغازي والسِّيَر والأنساب، والجرح والتعديل، آيةً في استحضار مذاهب الصحابة والتابعين، وفِرَق العلماء، بحيث كانت تَبْهَتُ الحنفية والمالكية والحنابلة إذا حضروه؛ لكثرة ما ينقله عن كُتُبهم التي بين أيديهم، آية في استحضار مذهب الشافعي، وشَوَارِد فروعه، بحيث يظن سامعُه أنه البحر الذي لا تغيب عنه شاردة. إذا ذُكر فَرعٌ وقال: لا يحضرني النقلُ فيه - فيعِزُّ على أبناء الزمان وُجدانُه بعد الفحص والتنقيب، وإذا سُئل عن حديث، فشَذَّ عنه - عَسُر على الحفَّاظ معرفتُه.

وكان يُقال: إنه يستحضر الكتب الستة غير ما يستحضره من غيرها من المسانيد والمعاجم والأجزاء.

وأنا أقول: يبعُد كلَّ البُعْد أن يقول في حديث: لا أعرف مَنْ رواه، ثم يُوجد في شيءٍ من الكتب الستة، أو المسانيد المشهورة.

وأما استحضار نصوصِ الشافعي وأقوالهِ - فكان يكاد يحفظ "الأم"،


(١) قائل البيت أبو نواس. انظر: ديوانه ص ٤٥٤، تحقيق د/ أحمد عبد المجيد الغزالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>