للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦ - زهده في الدنيا وجوده]

قال التاج رحمه الله: "وأما الدنيا فلم تكن عنده بشيء، ولا يستكثرها في أحدٍ، يَهَبُ الجزيل، ولا يرى أنه فَعَل شيئًا، ويعجبني قول الشيخ جمالِ الدين بن نُبَاتة شاعرِ العصر فيه، من قصيدة امتدحه بها:

مُغْنِي الأنامِ فما تَعَطَّل عِندَهْ ... في الحكمِ غيرُ مَحاضِرِ الإفْلاسِ

ومُعَجِّل الجَدْوَى جُزافًا (١) لا كَمَنْ ... هو ضارِبُ الأخماسِ في الأَسْداسِ" (٢)

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وكان متقشِّفًا في أموره، متقلِّلًا في الملابس، حتى كانت ثيابه في غير الموكب تُقَوَّم بدون الثلاثين درهمًا. وكان لا يستكثر على أحدٍ شيئًا، حتى إنه لما مات وجدوا عليه اثنين وثلاثين ألف درهم دَينًا، فالتزم ولداه تاج الدين وبهاء الدين بوفائها" (٣).

ويقول التاج - رحمه الله - أيضًا: "وكان لا يَصْبِر إذا طلعت الشمس إلى أن يستويَ طعامُ البيت، بل يأكل من السوق، وما ذلك إلا لسهره بالليل، مع حِدَّة ذهنه، فيجوع مِنْ طلوع الشمس، ولا يُطيق الصبرَ، ثم إذا أكل اجتزأ بالعُلْقة من الطعام، واليسيرِ من الغذاء.

وأما مأكله ومَلْبَسُه ومَلاذُّه الدنيوية - فأمرٌ يسير جدًا لا ينظر إلى شيء


(١) الجدوى: العطية. انظر: اللسان ١٤/ ١٣٤، مادة (جدا). جزافًا: بضم الجيم وكسرها، أي: بلا كيل ولا وزن، والمعنى: يعطي العطية الكثيرة بلا حساب ولا تقدير. انظر: لسان العرب ٩/ ٢٧، مادة (جزف)، وهي فارسية مُعَرَّبة.
(٢) انظر: الطبقات الكبرى ١٠/ ٢٠٦.
(٣) انظر: الدرر ٣/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>