الحق أن مصر أصبحت على عصر سلاطين المماليك ميدانًا لنشاط علمي واسع، يدل عليه ذلك التراث الضخم من موسوعات أدبية، وكتب تاريخية، ومؤلفات في العلوم الدينية تركها علماء ذلك العصر.
ويربط السيوطي بين هذا النشاط العلمي الواسع في مصر بالذات على عصر المماليك، وبين إحياء الخلافة العباسية في القاهرة بعد أن سقطت في بغداد، ويقول إنه منذ إحياء الخلافة العباسية في مصر غدت هذه البلاد محل سكن العلماء ومحط رحال الفضلاء.
والواقع أنه ما كان لهذا النشاط العلمي أن يزدهر في مصر في عصر المماليك لولا تشجيع بعض سلاطين المماليك للعلم والعلماء، وقد وصف أبو المحاسن (١) السلطانَ الظاهرَ بيبرس بأنه كان يميل إلى التاريخ وأهله ميلًا
(١) هو يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن جمال الدين. مؤرخ بحّاثة. ولد بالقاهرة سنة ٨١٣ هـ. تفقّه وقرأ الحديث وأُولع بالتاريخ وبرع في فنون الفروسية، وصنف كتبًا نفيسةً منها: "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، "المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي"، "نزهة الرائي". توفي سنة ٨٧٤ هـ. انظر: الضوء اللامع ١٠/ ٣٠٥، شذرات ٧/ ٣١٧، الأعلام ٨/ ٢٢٢، معجم المؤلفين ١٣/ ٢٨٢.