إن الصدع بالحق، ومقارعة الباطل من أهم واجبات العلماء إن لم يكن أهمها، والناس تبعٌ لعلمائهم، فإذا تبع العلماءُ الأمراءَ ضلَّت العامَّة، وزاغ الناس عن الجادَّة، وهلَكت الأمة.
والعالم إن لم يَقْو على قول كلمة الحق فليسكت عن الباطل، فسكوته عن الباطل خير، أما أنْ ينطق بالباطل ليُرضيَ ذوي النفوذ والأمر فتلك الداهية الدهياء، والمصيبة الصماء، وتلك الخيانة وإضاعة الأمانة.
ومع ذلك فربَّ كلمة حقٍّ قيلت في غير وقتها، أو غير محلها، جَلَبت شرًا كثيرًا، فالعالم الورع في دينه مَنْ يُراعي ذلك، ولا يُبالي بذم أحدٍ أو مدحه؛ لأن كلمة الحق إنما يُراد بها تحقيق مصلحة ودفع مفسدة، فإذا كان المتحقِّق هو العكس لم تكن من الحق، ولم يكن قائلها ناصحًا حكيمًا. فكلمة الحق كما تحتاج إلى إيمان وشجاعة، تحتاج إلى علم وحكمة يُقَدَّر بهما المصالح والمفاسد الحقيقية، وصدق الله إذ يقول:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}(١)، فرحم الله مَنْ قال ونفع، لا مَن في الضَّرَر أوقع.
والحاصل أن أمانة الصدع بالحق حِمْلٌ ثقيل نِيط بالعلماء، والله سائلهم عنه، فضعيفهم ينكر بقلبه، وقويُّهم بلسانه، أما أن يسكت الجميع تخاذلًا وإيثارًا للدنيا على الآخرة، فضلًا عن المداهنة والمصانعة فنعوذ بالله