ولذا كان المهيبُ محلَّ إجلال الناس، والمتكبِّر محل انتقاصهم وازدرائهم، وقليلٌ مِنَ الناس مَنْ يكون مَهِيبًا لا متكبرا، فالمهابة من أوصاف كُمَّل الرجال، وأفذاذ العقلاء، والسَّادة النجباء، لا أهل التصنع والرياء.
وسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد المُهيبين، وهو مَنْ إذا رآه الرائي بديهة هابه، وإذا خالطه معرفةً أحبَّه.
والتاج - رحمه الله - كان مهيبًا محبوبًا، يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في أحداث سنة ثلاثٍ وستين وسبعمائة:
"ورد البريد بطلبه من آخر نهار الأحد بعد العصر، الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فأرسل إليه حاجِب الحجَّاب قماري وهو نائب الغيبة: أن يُسافر مِن يومه. فاستنظرهم إلى الغد فأمهل. وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عِوَضًا عن أخيه تاج الدين. . . وجاء الناس إليه ليودِّعوه ويستوحشون له، وركب مِن بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، متوجِّهًا على البريد إلى الديار المصرية، وبين يديه القضاة والأعيان، حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، حتى ردَّهم قريبًا من الجسورة، ومنهم مَنْ جاوزها، والله المسؤول في حُسن الخاتمة في الدنيا والآخرة"(١).