سبق وأن قلنا إن العصر الذي عاشه السبكي، يعد عصر الموسوعات، وكان العلماء يتوسعون في المعرفة، وينهلون من جميع أنواعها وتخصصاتها، ولعل ذلك راجع لخوفهم على اندثار العلوم بعد أن فعل فيها الغزو الهمجي التتاري الأفاعيل، حينما جعل من الكتب جسورًا لعبور خيولهم ودوابهم، وبنيت بها الاصطبلات. فألزم العلماء أنفسهم بحفظ هذا الدين من أن تعبث به أيدي العابثين، فسهروا على حفظ كثير من الكتب عن ظهر قلب، وظهر ذلك في كتابتهم، فلا تكاد ترى مصنفًا في ذلك العصر إلا وقد امتلأ بسيل من المعلومات فكانت عقولهم كالشبكات المعرفية المعروفة في عصرنا بـ (الإنترنت) فأي موقع أردت أن تزوره لتعرف ما فيه من علوم ومعارف، فبمجرد ضغطة زر تنساب أمامك تلك المعلومات، وكذلك كان علماؤنا رحمهم الله بما حباهم الله من السيلان الذهني واستحضار المسائل مع الفارق في التشبيه، فهذه الآلات قد تخرب أو تعتريها الآفات كانقطاع التيار الكهربائي أو غيره، وأما عقول سلفنا فقد كانت محفوظة بحفظه سبحانه.
لذا فإن شيخنا الجليل الإمام تاج الدين السبكي عليه شآبيب الرحمة والغفران، كان نبوغه وتفوقه لا يكاد يخفى على أحد، فقد كان أحد