للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: طلبه للعلم وشيوخه]

قال التاج السبكي رحمه الله: "وتفقه في صغره على والده، وكان من الاشتغال على جانب عظيم، بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره، وحَكى لي أنه لم يأكل لحم الغنم إلا بعد العشرين من عمره؛ لحدة ذهنه، وأنه كان إذا شَمَّ رائحته حصل له شَرَى (١)، وإنما كان يخرج من البيت صلاة الصبح، فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر، فيجدَ أهل البيت قد عملوا له فروجًا، فيأكله ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب، فيأكل شيئًا حُلْوًا لطيفًا، ثم يشتغل بالليل، وهكذا لا يعرف غير ذلك، حتى ذكر لي أن والده قال لأمه: هذا الشاب ما يطلب قط درهمًا ولا شيئًا، فلعله يرى شيئًا يريد أن يأكله، فضعي في مِنْدِيله درهمًا أو درهمين، فوضعتْ نصف درهم.

قالت الجدة فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديلُ معه، والنصفُ فيه، إلى أن رمى به إليَّ وقال: أَيْش أعملُ بهذا! خذوه عني.

وكان الله تعالى قد أقام والده ووالدته للقيام بأمره، فلا يدري شيئًا من حال نفسه.


(١) أي: اضطراب. انظر اللسان ١٤/ ٤٣٠، مادة "شري".

<<  <  ج: ص:  >  >>