للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذن شيخه شمس الدين ابن النقيب بالفتيا له وهو دون الثامنة عشرة من عمره، فما عساك بشاب يبلغ هذا المبلغ وهو دون العشرين كيف حاله إذا بلغ أو قارب الثلاثين! وكتابه "الإبهاج" الذي نحقِّقه هو أول كتاب يؤلفه في أصول الفقه، قد أتى فيه بالعجب العجاب وهو ابن أربع وعشرين سنة، وألفه في وقت السآمة كما قال هو: "وقد كنا نكتب فيه بأطراف الأنامل، ونجيء إليه وقد سئمنا الطلب" فمَنْ كان هذا حاله كيف لا تخطبه المناصب الشرعية وتَفدُ إليه، وكيف لا يتولاها والكل يشهد بأهليته وعُلُوِّ كعبيه! ووالله مَنْ قرأَ كتبه وَتَمَعَّن فيها عَلِم أنه سيد زمانه، وإمام أوانه، والفارس المقدَّم، والإمام المبجَّل.

[٤ - العفو والصفح]

ما أجمل العفو ولكنه عند المقدرة أجمل، وما أعظم الصفح ولكنه مع الإحسان أكمل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (١).

العفو من شيم الرجال، والصفح من أخلاق الكرام، وأولى الناس بهما أهل الإيمان، بَلْه أهل العلم والقرآن.

وابن السبكي - رحمه الله - قد ضرب المثل الحيَّ في هذا الخلق النبيل.


= الرابعة عشرة والثالثة عشرة، وشهادة المزي رحمه الله، إن كانت قبل وفاته بسنة، أو قريبًا منها، فعمر التاج آنذاك الثالثة عشرة على الأكثر، فسبحان الواهب.
(١) سورة فصِّلت: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>