للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: تقلده منصب القضاء]

لا شك أنَّ تولي القضاء مع العدل والنزاهة، والديانة والأمانة - مرتبة عظيمة في الدين، ومنقبة كبيرة من مناقب المتقين؛ إذ التقوى لا تظهر إلا مع البلاء ومخالفة الهوى، ومصادمة أهواء أهل الدنيا.

وحُقَّ على مَنْ وجد في نفسه ذلك من أهل التقوى أن يقبل تولي تلك المناصب الخطيرة خشية أن يتولاها مَنْ رقَّت ديانته، وضعفت أمانته، فيضيع الدين والدنيا، ويشيع الفساد في الأرض، لكن مِن علامة صحة النية، وصدق السريرة: أن لا يجد التقيُّ مَنْ يكفيه البلية، ويُريحه من تلك المسؤولية، فلا بد أن يكون كارهًا للمنصب، مبغضًا للشهرة، مُعرضًا عن ثناء الناس، قائلًا بالحق، مُنازِلًا لأهل الباطل قدر الطاقة والجهد، غير مريد الوصول إلى دنيا حقيرة، وأموال وشهوات خسيسة، قريبًا من أهل الدين، بعيدًا عن أهل الدنيا.

وظننا بالإمام القاضي البيضاوي رحمه الله أنه ما طلب القضاء لدنيا، ولا لجاه، ولا غير ذلك، بل طلبه لإقامة الحق، ونشر العدل، والدفاع عن الدين، ولا أدل على ذلك من أنه مكث في قضائه ستة أشهر ثم عزل، فلو كان من أهل الدنيا المنافقين لبقي دهرًا (١)، ولَمَا وُصف بأنه: "قَابَل


(١) لا يقال: قد مكث مجد الدين الشيرازي - الذي عُزل بالقاضي البيضاوي ثم أعيد - =

<<  <  ج: ص:  >  >>