للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ليس بغني ليس ظلمًا. وقد فَهِم ذلك من الحديث أبو عبيدة وهو من أئمة اللغة، وكذلك الشافعي وهو إمام اللغة وابن بَجْدتها (١)، والتمسك بقول الشافعي وأبي عبيدة أولى من التمسك بقول أعرابي جِلْفٍ.

وكذلك أهل العرف يتبادر إلى فهمهم مِنْ قول القائل: الميت اليهودي لا يُبْصِر: أن الميتَ الذي ليس هو (٢) بيهودي يُبْصِر، بدليل أنهم يسخرون من هذا الكلام ويضحكون منه.

وإنما ذكر المصنف هذين المثالين لِيُبَيِّن (٣) أنه المتبادر إلى الفهم في الأول عند أهل اللغة، وفي الثاني عند أهل العرف، فيجتمع التبادر من الجهتين، وهذا من محاسنه.

وقد اعترض إمام الحرمين على التمسك بفهم الشافعي وأبي عبيدة فقال: هذا المسلك فيه نظر؛ فإن الأئمة قد يحكمون على اللسان عن نظر واستنباط، وهم في مسالكهم في محلِّ النزاع مطالبون بالدليل. والأعرابي الجِلف منطقه طَبْعُه، فيغع التمسك بمنظومه ومنثوره.

الوجه الثاني: أن ظاهر تخصيصِ الحكمِ بالصفة يستدعي فائدةً صَوْنًا للكلام عن اللغو، وتلك الفائدة ليست إلا نَفْي الحكم عما عداه؛ لأن غيرها منتفٍ بالأصل، فتتعين هي؛ ولأن الكلام فيما إذا لم يظهر للتخصيص بالذكر فائدةٌ أخرى.


(١) في اللسان ٣/ ٧٧، مادة (بجد): "وعنده بَجْدَة ذلك، بالفتح، أي: عِلْمه. ومنه يقال: هو ابن بَجْدَتها, للعالم بالشيء المتقن له المميز له، وكذلك يقال للدليل الهادي".
(٢) سقطت من (غ).
(٣) في (ت): "ليتبيَّن".

<<  <  ج: ص:  >  >>