للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفَ الأمرِ بالحذر عن العذاب، والحذر عنه إنما يكون بعد قيام المقتضِي لوقوعه، بدليل أنه يقبح (١) الأمر بالحذر عن الشيء بدون وجود المقتضي له، ألا ترى أنه يقبح أن يقال لمَنْ جلس تحت سقفٍ قوي غيرِ مائلٍ: احذر أن يقع عليك. ولا يقبح أن يقال ذلك لمَنْ جلس تحت سقف مائلٍ في مَعْرِض الوقوع؛ وما ذلك إلا لأن المقتضِي للوقوع قائم فيه. فلو لم يكن تَرْك المأمور به مقتضيًا لوقوع العذاب - لما حسن الأمر بالحذر عن العقاب. ولا معنى لقولنا: إن الأمر يقتضي الوجوب إلا ذلك. وفي هذا التقرير نظر سيأتي إن شاء الله تعالى.

واعترض الخصم بأربعة أوجه:

أحدها: مَنْع المقدمة الأولى، أي: لا نسلم أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه وإنما هي اعتقاد حَقِّيَّته. يعني: كونه حقًا، مستوجبَ القبول. فالمخالفة: هي إنكار حقيته، يعني: اعتقاد أنه فاسد.

قلنا: هذا ليس موافقة للأمر (٢)، بل موافقة للدليل الدال على حقية ذلك الأمر، وهو المعجزة الدالة على صدق الرسول، فاعتقاد (٣) حقية الأمر موافقة الدليل، لا موافقة الأمر، فإن موافقة الشيء: عبارة عما يستلزم تقرير مقتضاه. فإذا دل الدليل على حقية الأمر كان الاعتراف بحقيته مستلزمًا لتقرير مقتضى ذلك الدليل والأمر لما اقتضى دخول


(١) في (ص): "يصح". وهو تحريف
(٢) في (ت): "الأمر".
(٣) في (ت): "فاعتقاده".

<<  <  ج: ص:  >  >>