للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقع استثناء وهو راجع إلى الجملة الأخيرة بلا خلاف، غير راجع إلى الأولى على الصحيح، وفي المتوسطة اختلاف، وذلك في آية القاذف المتقدمة (١)، فإن الجلد ثابت سواء أتاب (٢) القاذف أم (٣) لم يتب، وإنما الخلاف في قبول الشهادة، وهي الجملة المتوسطة.

فإن قلت: فهذه الآية والآية الأولى ينقضان مذهبكم كما نقضت آية


(١) قد حكى كثير من الأصوليين الاتفاق على عدم عود الاستثناء إلى الجملة الأولى في آية القذف. انظر: الإحكام ٢/ ٣٠٤، بيان المختصر ٢/ ٢٨٦، البحر المحيط ٤/ ٤٣١، شرح المحلي على الجمع ٢/ ١٩، نهاية السول ٢/ ٤٣٢، شرح الكوكب ٣/ ٣١٨. وانظر: فتح القدير ٤/ ٩، تفسير ابن كثير ٣/ ٢٦٤، لكن قال القرطبي في تفسيره ١٢/ ١٧٨ - ١٧٩: "فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: جَلْده، ورَدُّ شهادته أبدًا، وفسقه. فالاستثناء غير عاملٍ في جلده بإجماعٍ، إلا ما رُوي عن الشعبي على ما يأتي. وعامل في فسقه بإجماع. واختلف الناس في عمله في ردِّ الشهادة. . . ويروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت توبته لم يُحَدّ، وقبلت شهادته، وزال عنه التفسيق؛ لأنه قد صار ممن يُرْضَى من الشهداء، وقد قال الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} الآية". إلا أن توبة القاذف عند الشعبي لا تكون إلا بأن يُكَذِّب نفسه في ذلك القذف الذي حُدّ فيه، كما فعل عمر - رضي الله عنه -، فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة - رضي الله عنه -: "من أكذب نفسه أجَزْتُ شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أُجِز شهادته"، وهو مذهب الضحاك وأهل المدينة. انظر: التفاسير السابقة، الدر المنثور ٦/ ١٣١. فعلى هذا كأن الشارح رحمه الله تعالى يشير بقوله: "غير راجع إلى الأُولى على الصحيح" إلى خلاف الشعبي رضي الله عنه. والله أعلم.
(٢) في (ت): "تاب".
(٣) في (ت): "أو".

<<  <  ج: ص:  >  >>