للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: المراد إظهار ذلك للخلق، والتنويه (١) بذكر العبد الممتثِل بين العالَم. ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام صار له بذلك لسانُ صِدْق في الآخِرين، وربما أن بعض مَنْ كان لا يؤمن به رآه قد بادر إلى امتثال هذا الأمر المرير، فصَدَّق به وآمن، وعرف أنه على الحق المبين.

ومنهم مَنْ أجاب (٢) عن هذه الشبهة: بأنه لم يجتمع الأمر والنهي في وقتٍ واحد، بل بورود النهي انقطع تعلق الأمر. وذكر القاضي في "مختصر التقريب" هذا، وطريقةً أخرى وهي أنا نقول: "كأن الرب تعالى قال: افعل الفعل الفلاني تقربًا منك إليَّ ما دام الأمر متصلًا بك، فإذا نهيتك عنه فلا تفعله تقربًا إليَّ (٣)، ولا تقربًا إلى غيري؛ ليتبين للعبد أنه


(١) أي: رفع الذكر والتعظيم. وفي المصباح ٢/ ٣٠٤: "نوَّه به تنويهًا: رفع ذِكْره وعَظَّمه، وفي حديث عمر: "أنا أول مَنْ نَوَّه بالعرب" أي: رفع ذكرهم بالديوان والأعطاء". وانظر: لسان العرب ١٣/ ٥٥٠، مادة (نوه).
(٢) وهو ابن الحاجب رحمه الله. انظر: منتهى السول والأمل ص ١٥٧، العضد على ابن الحاجب ٢/ ١٩١، ١٩٢.
(٣) قوله: كأن الرب تعالى قال. . . إلخ، يقصد به أن أمر المولى تعالى وإن كان ظاهره الإطلاق إلا أنه في حكم المقيَّد بالشرط، فإذا قال المولى سبحانه وتعالى: افعل الفعل الفلاني - فمعناه: أنك لا تزال مأمورًا به ما دام الأمر متصلًا بك، أي: تعلُّق الأمر بك مشروط ببقاء الأمر عليك ودوامه، فإذا ورد النهي عن الفعل المأمور به فلا تكون مأمورًا به لكون شَرْط تعلقه بك - وهو بقاء الأمر ودوامه - قد زال، وعلى هذا فليس هناك تناقض في النهي عن الفعل المأمور به؛ إذ شرط التعلق - وهو دوام الأمر - قد زال. والفرق بين هذا الجواب والذي قَبْله: هو أن الذي قَبْله لا يرى لهذا الشرط المذكور فائدة؛ إذ قولنا: فلان مأمور. يعني: أنه مأمور ما دام الأمر باقٍ عليه. فلو قلنا: فلان مأمور ما دام الأمر باقٍ عليه - فكأننا قلنا: فلان مأمور ما دام مأمورًا. =

<<  <  ج: ص:  >  >>