للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به كتبه جمالًا على جمال، فجمال الاختراع والابتكار، مع جمال الصياغة واللفظ المدرار.

هذا مع تمكنه ورسوخه في فنون النقل والعقل، والأثر والنظر، فكانت كتبه بحق تجديدًا، وصاحبها مجدِّدًا، ولولا صِغَر سنه، وقلة أيامه - لكان مجدِّد عصره، وهو بلا شك أحد المجددين؛ إذِ اجتمع له العلم والعمل والمنصب والخطابة، مع النزاهة والقوة في الحق والصَّلابة.

يقول رحمه الله في كتابه "الإبهاج" وهو أول كتاب أصولي ألَّفه: "وأنا مِنْ عادتي في هذا الشرح الإطنابُ فيما لا يُوجد في غيره، ولا يُتَلقَّى إلا منه، من بحثٍ مخترع، أو نقل غريب، والاختصار في المشهور في الكتب؛ إذ لا فائدة في التطويل فيما سَبَقنا مَنْ هم سادتُنا وكبراؤنا إلى جمعه، وهل ذلك إلا مجرد جمعٍ من كتب متفرقة، لا يصدق اسمُ المصنِّف على فاعله! " (١).

ويقول في "الطبقات الكبرى": "وأنا دائمًا أستهجن ممَّن يدَّعِي التحقيق من العلماء إعادةَ ما ذكره الماضون، إذا لم يَضُمَّ إلى الإعادة تنكيتًا عليهم، أو زيادةَ قيدٍ أهملوه، أو تحقيقٍ تركوه، أو نحو ذلك مما هو مَرامُ المحقِّقين. . . إنما الحبر مَنْ يُملي عليه قلبُه ودماغُه، ويُبرز (٢) التحقيقات التي تشهد الفطر السليمة بأنها في أقصى غايات النظر، مشحونةً باستحضار


(١) الإبهاج ص: ١٣٦١.
(٢) في الأصل المطبوع من الطبقات: "وتُبرز". والظاهر أنه خطأ؛ لأنه لا يناسب العطف على قوله: "مَنْ يُملي عليه. . ."، والمناسب هو "ويُبرز"، فهو يُملي ويُبرز.

<<  <  ج: ص:  >  >>