رأته جاوز الجوزاء وما رضيها دار مقامه لكنه أحسن الله إليه ما غاص في بحره إلى القرار، ولا أوصل هلاله إلى ليلة البدار بل أضرب عنه صفحًا بعد لأي قريب وتركه طرحًا وهو الدر اليتيم بين إخوانه كالغريب، وقد حدثتني النفس بالتذييل على هذه القطعة، وأحاديث النفس كثيرة وأمرتني الأمارة بالتكميل عليها، ولكني استصغرتها عن هذه الكبيرة، وقلت للقلم أين تذهب، وللفكر أين تجول، أطنب لسانك أم أسهب، ووقفت وقفة العاجز والنفس تأبى إلا المبادرة بما به أشارت وجرت على تيارها منادية أئت بما أمرتك بما استطعت وتوارى اللسان وما توارت فلما تعارض المانع والمقتضي، وعلمت أن الحال إذا حاولت مجهودها قام لها العذر الواضح فيما استقبلته ومُضيٌّ أي مضيٍّ أعملت الفكرة في الدجنة والوجه والليل كلاهما كالح، وشرعت فيه وقلت لعل الغرض يتم ببركته، وبقصده الصالح وجردت همة ما ورد رائدها إلا وقد سئم من النشاط، ولا أغمد مهندها إلا وقد ترك ألف طريح على البساط، ولا عاد نصلها إلا وقد قضى المأمول، ولا فترت عزائمها إلا وقد حصلت على نهاية السول، وأعملنا هذه الهمة في مدلهم الديجور، وصرفنا قلمها بشهادة النجوم وفلكها يدور فلم تنشب ليالي أسبلت جلبابها وأرخت نقابها معدودة ساعاتها ممدودة بالألطاف الخفية أوقاتها، إلى أن انهزمت تلك الليالي ودارت الدائرة عليها، وجاء من النسيم العليل بشير الصبح متقدمًا بين يديها، فوافى الصباح بكل معنى مبتكر، وجلا عرائس بدائعه فشنف السمع وشرف البصر، وجاء كتابًا ساطعًا نور شمسه وشمس السماء في غروب، طالعًا في أفق الفخار