للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليلًا على ذلك يقارب القطع، أو يقتضي القطع بذلك، لم يسبقه إليه أحد وهو أن البشارة التي وقعت لإبراهيم - عليه السلام - بالولد من الله تعالى كانت مرتين، مرة في قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (١). فهذه الآية قاطعة في أن هذا المبشر به هو الذبيح. وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} (٢).

فقد صرح في هذه الآية أن المبشر به فيها إسحاق ولم يكن سؤال من إبراهيم - عليه السلام - بل قالت امرأته إنها عجوز وإنه شيخ وكان ذلك في الشام لما جاءت الملائكة إليه بسبب قوم لوط وهو في أواخر أمره، وأمّا البشارة الأولى لما انتقل من العراق إلى الشام حين كان سنه لا يستغرب فيه الولد، ولذلك سأله فعلمنا بذلك أنهما بشارتان في وقتين بغلامين؛ أحدهما بغير سؤال وهو إسحاق صريحًا والثانية قبل ذلك بسؤال وهو غيره فقطعنا بأنه إسماعيل وهو الذبيح، ولا يرد على هذا قوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (٣).

ووجه الإيراد ذكر هبة إسحاق بعد الإنجاء؛ لأنا نقول: لما ذكر لوطًا


(١) سورة الصافات: الآيات ١٠٠ - ١٠٢.
(٢) سورة هود: الآيات ٧١ - ٧٢.
(٣) سورة الأنبياء: الآيات ٧٠ - ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>