للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأينا الفقهاء قيدوا فقالوا: كل مَنْ صحت صلاته صِحةً مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به، وهذا التقييد يقتضي انقسام الصحة إلى ما يُغني عن القضاء وما لا يُغني (١). وقالوا فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا إنه يصلي على حسب حاله، ويقضي.

وحكى إمام الحرمين في هذه الصلاة هل توصف بالصحة أو الفساد؟ وجهين، وهو غريب، والمشهور وصفها بالصحة، وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يُحْكم بفسادها! هذا لا عهد به (٢)، وليس بمثابة الإمساك تشبها بالصائمين (٣).


(١) وهذا التقسيم للصحة يدل على أنَّ الفقهاء يقولون برأي المتكلمين في أنَّ الصحة هي موافقة الأمر، سواء وجب القضاء أم لم يجب، كما سيأتي في كلام الشارح قريبًا.
(٢) أي: غير معهود في الشرع. وهذا يدل على أنّ الفقهاء يقولون بصحة صلاة فاقد الماء والتراب مع كونه مأمورًا بالقضاء، فهذا يدل على أن الصحة عند الفقهاء هي موافقة الأمر. ويمكن أنْ يجاب على قول الشارح رحمه الله تعالى: "وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يحكم بفسادها" - أنْ يقال: وكيف نأمره بإعادة صلاة حُكِم بأنها صحيحة، بل القول بفسادها مع وجوب القضاء اليق وأقرب من القول بصحتها مع وجوب القضاء. ولعل الأقرب أنْ يقال: هي صحيحة إلى أنْ يرتفع العذر، فإذا وجد الماء أو التراب بطلت وفسدت.
(٣) يعني: وليس صلاة من فقد الماء والتراب كإمساك غير الصائم تشبها بالصائمين؛ لأنَّ الصيام هنا مفقود وها هنا الصلاة موجودة.
قال النووي في المجموع ٢/ ٣٣٩ - ٣٤٠: "قال إمام الحرمين: وإذا أوجبنا الصلاة في الوقت أوجبنا القضاء فالمذهب أن ما يأتي به في الوقت صلاة، ولكن يجب قضاؤها. قال: ومن أصحابنا مَنْ قال: ليست صلاة بل تشبه الصلاة، كالإمساك في رمضان لمن أفطر عمدًا، قال: وهذا بعيد. قال: فإن قيل: هلا قلتم: الصلاة المفعولة في الوقت مع الخلل فاسدة كالحجة الفاسدة التي يجب المضي فيها. قلنا: إيجاب الإقدام على الفاسد محال. وأما التشبه فلا يبعد إيجابه". وانظر: المجموع ٢/ ٢٧٨، كفاية الأخيار ١/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>