وإذا سمح لبعضهم بالمشاركة في شؤون الحكم فبالقدر المحدود الذي تخوِّله صلاحيتهم. وتشير الشواهد التاريخية إلى أن المماليك لم يكونوا جميعًا من أصل واحد، بل كان منهم التركي والجركسي والمغولي والصيني والأسباني والألماني واليوناني والسلافي وغير ذلك من الجنسيات العديدة التي حملها تجار الرقيق إلى مصر. وقد شجع التجارَ على مزاولة تلك التجارة الأرباحُ الطائلة التي كانوا يحصلون عليها من وراء الاشتغال بها، إذ لم يضن سلاطين المماليك وأمراؤهم بالمال في شراء مزيد من المماليك يكونوا لهم سندًا ودعامة تقوِّي مركزَهم داخلَ البلاد وخارجَها. وبقدر ما في الملوك من مزايا وصفات طيبة ومواهب بقدر ما يرتفع ثمنه، وبالعكس بقدر ما قد يكون فيه من عيوب بقدر ما ينحط سعره، ولعل هذا هو السر في أن مملوكًا مثل قلاوون عُرف بالألفي؛ لأنه اشْتُرِي بألف دينار، وهو مبلغ كبير يستحق الفخر؛ لأنه يشير إلى عِظَم مواهبه وحُسْن صورته.
وقد عُني سلاطين المماليك عنايةً فائقة بمماليكهم، وحرصوا على تربيتهم تربية سليمة، فإذا اشترى السلطان عددًا من المماليك أرسلهم أولًا لفحصهم للتأكد من سلامة أبدانهم، وبعد ذلك يُنزل كلًا منهم في طبقة جنسه بحيث لا يقيم في طبقةٍ من الطباق المخصَّصة للمماليك بالقلعة إلا المماليك ذوي الأصل المشترك أو المجلوبين من بلدٍ واحد. ويقوم بتربية المماليك في الطباق مجموعة من الطواشية الخِصْيان، فَضلًا عن الفقهاء الذين كانوا يترددون على الطباق لتعليم المماليك القرآن والخط وأحكام الدين الإسلامي، ثم إن الأساتذة - من سلاطين وأمراء - لم يضنوا على مماليكهم