الهدف الأساسي من إنشاء معظم المكاتب كان تعليم أيتام المسلمين، ولذلك أقبل الخيِّرون على إقامتها وحبسِ الأوقاف عليها رغبةً في الثواب. وكان يقوم بتعليم الأطفال في المكتب "المؤدِّب" الذي أطلق عليه أحيانًا اسم "الفقيه"، واشترط فيه أن يكون: خيِّرًا ديِّنًا أمينًا على أطفال المسلمين، متين الخلق عَفًّا متزوجًا عارفًا بصناعته صالحًا للتعليم.
وساعد المؤدب في عمله "العريف" وهو أشبه بالمعيد في المدارس، إذ كان يعاون المتخلِّفين من الأطفال، ويعرضون عليه ألواحهم في غيبة المؤدِّب. وربما كان في المكتب الواحد أكثر من مؤدِّب وعريف إذا تطلبت كثرة الأطفال ذلك، بحيث يكون لكل مؤدب عدد معين من الأطفال يقوم بالإشراف عليهم وتعليمهم. وقد ذكر النويري (١) كيف أن السلطان المنصور قلاوون رتب في مكتب السبيل الذي أنشأه فقيهين يعلِّمان مَنْ كان صغيرًا من أيتام المسلمين كتاب الله تعالى، ورتَّب لهما جامكية في كل شهر وجراية في كل يوم: وهي لكل منهما في كل شهر ثلاثون درهمًا، وفي كل يوم من الخبز ثلاثة أرطال، وكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف. ورتب للأيتام لكل منهم في كل يوم رطلان خبزًا، وكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف.
(١) هو أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشيُّ التيميُّ البكريّ، شهاب الدين النويري. نسبته إلى نُويرة: قرية من قرى بني سويف بمصر، ومولده ومنشأه بقوص. ولد سنة ٦٧٧ هـ. كان عالمًا بحَّاثًا غزير الاطلاع، ويكفيه أنه مصنِّف "نهاية الأرب في فنون الأدب" كبير جدًا، وهو أشبه بدائرة معارف لما وصل إليه العلم عند العرب في عصره. توفي سنة ٧٣٣ هـ. انظر: الدرر ١/ ١٩٧، الأعلام ١/ ١٦٥، معجم المؤلفين ١/ ٣٠٦.