للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحَضْن، حتى إذا بلغ الحَضْن (١) مداه وانتهت أيّامه، انصدع عن الفرخ فأعاناه على خروجه، فيبدآن أولًا بنفخ الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته، علمًا منهما بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء، فتتسع الحوصلة بعد التحامها، وتنفتق بعد ارتتاقها. ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئًا فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء، فيزُقّانه بلعابهما المختلط بالغذاء وفيه قُوى الطعم، ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء، وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية لتكون لها بعض المتانة، فيلقطان من أصول الحيطان الحب اللين الرخو ويزُقّانه الفرخ، ثم يزُقّانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشدّ، ولا يزالان يزُقّانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ، وهو يطلب ذلك منهما، حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج إلى اللقط ويعتاده.

وإذا علما أن أدواته قد قويت وتمّت، وأنهما إن فطماه فطمًا تامًا قوي على اللقط وتبلَّغ لنفسه؛ ضرباه إذا سألهما الزّقّ ومنعاه، ثم تُنزع تلك الرحمة العجيبة منهما، وينسيان ذلك التعطّف المتمكّن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بنفسه والتكسب، ثم يبتدئان العمل ابتداء على ذلك النظام.

والحمام مُشاكِل للناس في أكثر طباعه ومذاهبه؛ فإن في إناثه أنثى لا تريد إلا زوجها، وفيه أخرى لا تردّ يد لامس، وأخرى لا تُنال إلا بعد الطلب الحثيث، وأخرى تُركَب من أول وهلة وأول طلب (٢)، وأخرى لها ذكر


(١) "الحيوان" (٣/ ١٥١): "حتى إذا بلغ ذلك البيض مداه".
(٢) من قوله: "وأخرى لا تنال" إلى هنا ساقط من "م".