للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأرض التي لا حياة لها بدونه، ويحل منها محل الأرواح من أبدانها.

فأي نعيم، وقرّة عين، ولذة قلب، وابتهاج وسرور؛ لا يحصل له في هذه المناجاة، والربّ تعالى يستمع لكلامه جاريًا على لسان عبده، ويقول: «حَمِدني عبدي، أثنى عليَّ عبدي، مجَّدَني عبدي» (١).

ثم يعود إلى تكبير ربّه عز وجل، فيجدد به عهد التذكرة، كونه أكبر من كل شيء بحق عبوديته، وما ينبغي أن يُعامَل به.

ثم يركع حانيًا له ظهره؛ خضوعًا لعظمته، وتذلُّلًا لعزّته، واستكانةً لجبروته، مسبّحًا له بذكر اسمه العظيم، فنَزَّهَ عظمته عن حال العبد وذلّه وخضوعه، وقابَلَ تلك العظمة بهذا الذل والانحناء والخضوع، قد تطامن وطأطأ رأسه، وطوى ظهره، وربّه فوقه يشاهده، ويرى خضوعه وذله، ويسمع كلامه، فهو ركن تعظيم وإجلال، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «أما الركوع فعظّموا فيه الرب» (٢).

ثم عاد إلى حاله من القيام حامدًا لربّه، مثنيًا عليه بأكمل محامده وأجمعها وأعمِّها، مثنيًا عليه بأنه أهل الثناء والمجد، ومعترفًا بعبوديته، شاهدًا له بتوحيده، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه لا ينفع أصحابَ الجُدُودِ والأموالِ والحظوظِ جُدُودُهم عنه ولو عظمت.

ثم يعود إلى تكبيره، ويخرّ له ساجدًا على أشرف ما فيه وهو الوجه، فيعفِّره في التراب ذُلًّا بين يديه ومسكنةً وانكسارًا، وقد أخذ كل عضو من


(١) جُمَل من حديث قدسي أخرجه بتمامه مسلم (٣٩٥) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مسلم (٤٧٩) من حديث ابن عباس.