للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البدن حظّه من هذا الخضوع، حتى أطراف الأنامل ورؤوس الأصابع، ونُدِبَ له أن يسجد معه ثيابه وشعره فلا يكفّه، وأن لا يكون بعضه محمولًا على (١) بعض، وأن يباشرَ التراب بجبهته، وينالَ ثِقْلُ وجهِهِ المُصَلَّى (٢)، ويكون رأسه أسفل ما فيه تكميلًا للخضوع والتذلل لمن له العزّ كله والعظمة كلها، وهذا أيسر اليسير من حقه على عبده، فلو دام كذلك من حين خُلِق إلى أن يموت لما أدّى حق ربّه عليه.

ثم أُمِرَ أن يسبّح ربَّه الأعلى، فيذكر علوّه سبحانه في حال سفوله هو، وينزّهه عن مثل هذه الحال، وأنّ من هو فوق كل شيء، وعالٍ على كل شيء يُنَزَّه عن السفول بكل معنى، بل هو الأعلى بكل معنى من معاني العلو.

ولما كان هذا غاية ذلّ العبد وخضوعه وانكساره؛ كان أقرب ما يكون الربّ منه في هذه الحال، فأُمِر أن يجتهد في الدعاء لقربه من القريب المجيب، وقد قال تعالى: {تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩].

وكان الركوع كالمقدمة بين يدي السجود والتوطئة له، فينتقل من خضوع إلى خضوع أكمل وأتم منه، وأرفع شأنًا.

وفُصِل بينهما بركن مقصود في نفسه، يجتهد فيه في الحمد والثناء والتمجيد، وجُعِل بين خضوعين: خضوعٍ قبله، وخضوعٍ بعده، وجُعِل خضوع السجود بعد الحمد والثناء والمجد، كما جُعِل خضوع الركوع بعد ذلك.


(١) كذا في «د» «م»، والأقرب للمعنى: «مجموعًا إلى».
(٢) انظر: «كتاب الصلاة» للمؤلف (٣٦٤).