للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برحمة، وحكمة مقرونة بجود وإحسان وعفو وصفح، فالعزّة والحكمة لم تزولا ولم تنقصا، بل يصدر جميع ما خلقه ويخلقه، وأمر به ويأمر: عن عزّته وحكمته.

الثاني عشر: أن العذاب مقصود لغيره لا لنفسه، وأما الرحمة والإحسان والنعيم فمقصود لنفسه، فالنعيم والإحسان غاية، والعذاب والألم وسيلة، فكيف يُقاس (١) أحدُهما بالآخر؟

الثالث عشر: أنه سبحانه أخبر أن رحمته وسعت كل شيء، وأن رحمته سبقت غضبه، وأنه كتب على نفسه الرحمة، فلابد أن تسع رحمتُه هؤلاء المعذَّبين، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمتُه، وهذا ظاهر جدًّا.

فإن قيل: فقد قال سبحانه عقيبها: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} إلى آخر الآية [الأعراف: ١٥٦]، فخرج غيرهم منها لخروجهم من الوصف الذي تُسْتحق به.

قيل: الرحمة المكتوبة لهؤلاء هي غير الرحمة الواسعة لجميع الخلق، بل هي رحمة خاصة خصّهم بها دون غيرهم، وكتبها لهم دون من سواهم، وهم أهل الفلاح الذين لا يُعذَّبون، بل هم أهل الرحمة والفوز والنعيم، وذُكِرَ الخاصُّ بعد العام استطرادًا، وهو كثير في القرآن، بل قد يُسْتطرَد من الخاص إلى العام، كقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ


(١) «م»: «يقابل».