للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تألهه النفوس، وتحبه القلوب، وتعرفه الفِطَر، وتقرّ به العقول، وتشهد بأنه ربّها ومليكها وفاطرها، فلا بدّ لكل أحد من إله يألهه، وصمد يصمد إليه.

والعباد مفطورون على محبة الإله الحق، ومعلوم بالضرورة أنهم ليسوا مفطورين على تألّه غيره، فإذن: إنما فُطِروا على تألّهه وعبادته وحده، فلو خُلّوا وفطرَهم لما عبدوا غيره، ولا تألّهوا سواه.

يوضحه الوجه الخامس عشر: أنه يستحيل أن تكون الفطرة خالية عن التألّه والمحبة، ويستحيل أن يكون فيها تألّه غير الله لوجوه:

منها: أن ذلك خلاف الواقع.

ومنها: أن ذلك المخلوق ليس أولى أن يكون إلهًا لكل الخلق من المخلوق الآخر.

ومنها: أن المشركين لم يتفقوا على إله واحد، بل كل (١) طائفة تعبد ما تستحسنه.

ومنها: أن ذلك المخلوق إن كان ميتًا، فالحي أكمل منه، فيمتنع أن يكون الناس مفطورين على عبادة الميت، وإن كان حيًا فهو أيضًا مريد، فله إله يألهه، وحينئذ فيلزم الدور الممتنع، أو التسلسل الممتنع، فلا بدّ للخلق كلهم من إله يألهونه، ولا يأله هو غيرَه، وهذا برهان قطعي ضروري.

فإن قلت: هذا يستلزم أنه لابد لكل حي مخلوق من إله، ولكن لِمَ لا يجوز أن يكون مطلوب النفس هو مطلق التألّه والمألوه، لا إلهًا معيّنًا كما


(١) «د»: «لكل» تحريف.