للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس هو ممكن الوجود فضلًا عن وجوبه.

وبهذا يتبين أن الجهمية وإخوانهم من القائلين بوحدة الوجود ليس لهم إله معين في الخارج يألهونه ويعبدونه، بل هؤلاء ألّهوا الوجود المطلق الكلي، وأولئك ألّهوا المعدوم الممتنع وجوده.

[والرسل] (١) وأتباعهم إلههم الله الذي لا إله إلا هو، الذي {خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: ٤ - ٨].

وهو الذي فُطِرت القلوب على محبته، والإقرار به، وإجلاله وتعظيمه، وإثبات صفات الكمال له، وتنزيهه عن صفات النقائص والعيوب، وعلى أنه فوق سماواته، بائن من خلقه، تصعد إليه أعمالهم على تعاقب الأوقات، وتُرْفَع إليه أيديهم عند الرغبات، يخافونه من فوقهم، ويرجون رحمته تنزل إليهم من عنده، فهِمَمُهم صاعدة إلى عرشه، تطلب فوقه إلهًا عليًّا عظيمًا، قد استوى على عرشه، واستولى على خلقه، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ اَلسَّمَا إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة: ٥ - ٦].

والمقصود أنه إذا لم يكن في المعيَّنات الخارجة عن الأذهان ما هو مراد لذاته؛ لم يكن فيها ما يستحق أن يألهه أحد، فضلًا أن يكون فيها ما يجب أن يألهه كل أحد.


(١) «والرسل» من «ت».