للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتبيّن أنه لابدّ من إله معين هو المحبوب المراد لذاته، ومن الممتنع أن يكون هذا غير فاطر السماوات والأرض، وتبيّن أنه لو كان في السماوات والأرض إله غيره لفسدتا، وأنّ كل مولود يولد على محبته ومعرفته وإجلاله وتعظيمه، وهذا دليل مستقل كافٍ فيما نحن فيه، وبالله التوفيق.

يوضحه الوجه السابع عشر (١): أن الحي العبدي (٢) مفطور على إرادة ما يقيم بنيته، ويندفع به عنه الألم المنافي لبقائه، ولا غرض له في التعيين، بل أي فرد حصل له به مقصوده تعلّقت به إرادته، ولهذا يختلف ذلك باختلاف العوائد والمَرْبى والمنشأ، كما تختلف الأغذية والملابس والأدوية باختلاف الزمان والمكان والعادة، وكل هذه أمور مرادة لغيرها؛ إذ المراد دفع ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وطلب لذة الأكل والشرب والجماع، فإذا حصل للإنسان مراده بذلك واندفع عنه الألم الحاصل بفقده؛ لم يرده.

فإذا كان مفطورًا على إرادة ذلك، وفيه قوة الشعور به ومحبته وإيثاره على غيره؛ فكيف بما لا صلاح لقلبه وروحه إلا بمعرفته وإرادته ومحبته؟!

وهل يجوز لعاقل أن يتوهّم أنه مفطور على إرادة هذا الأدنى ومحبته والشعور به، الذي هو غير مراد لذاته، ولا يكون مفطورًا على محبة الأعلى الذي لا بدّ له منه، ولا غناء له عنه، ولا صلاح له ولا نعيم، ولا حياة حقيقية إلا بمعرفته ومحبته وعبادته وحده لا شريك له؟!


(١) من هنا إلى آخر الكتاب وقعت تحريفات وخروم كثيرة جدًّا في «د»، سأقوم باستدراكها من «ت» دون تنبيه على مواضعها.
تنبيه: هنا تنتهي نشرة «ط» وجميع الطبعات الصادرة عنها.
(٢) كذا في «د»، ولعلها: «المقتدر».