١١٠٨ - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَفَعَهُ قَالَ: «مَنْ تَطَبَّبَ - وَلَمْ يَكُنْ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا - فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرِهِمَا، إلَّا أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَقْوَى مِمَّنْ وَصَلَهُ.
١١٠٩ - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ، خَمْسٌ، مِنْ الْإِبِلِ»
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ قَالَ مَنْ تَطَبَّبَ) أَيْ تَكَلَّفَ الطِّبَّ وَلَمْ يَكُنْ طَبِيبًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ صِيغَةُ تَفَعَّلَ «وَلَمْ يَكُنْ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَقْوَى مِمَّنْ وَصَلَهُ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَضْمِينِ الْمُتَطَبِّبِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ فَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ أَصَابَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، وَقَدْ ادَّعَى عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعَ.
وَفِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إذَا أَعْنَتَ أَيْ الْمُتَطَبِّبُ كَانَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَطَبِّبَ هُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْعِلَاجِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ هُوَ مَنْ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِجَوْدَةِ الصَّنْعَةِ وَإِحْكَامِ الْمَعْرِفَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: إنَّ الطَّبِيبَ الْحَاذِقَ هُوَ الَّذِي يُرَاعِي فِي عِلَاجِهِ عِشْرِينَ أَمْرًا وَسَرَدَهَا هُنَالِكَ. قَالَ: وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ إذَا تَعَاطَى عِلْمَ الطِّبِّ، أَوْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ، فَقَدْ هَجَمَ بِجَهَالَةٍ عَلَى إتْلَافِ الْأَنْفُسِ وَأَقْدَمَ بِالتَّهَوُّرِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ فَيَكُونُ قَدْ غَرَّرَ بِالْعَلِيلِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُعَالِجَ إذَا تَعَدَّى فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدٍّ، فَإِذَا تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ التَّلَفُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ دُونَ إذْنِ الْمَرِيضِ وَجِنَايَةُ الطَّبِيبِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ. وَأَمَّا إعْنَاتُ الطَّبِيبِ الْحَاذِقِ، فَإِنْ كَانَ بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمِنْ جِهَةِ الْمُعَالَجِ وَهَكَذَا سِرَايَةُ كُلِّ مَأْذُونٍ فِيهِ لَمْ يَتَعَدَّ الْفَاعِلُ فِي سَبَبِهِ كَسِرَايَةِ الْحَدِّ وَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ بِهَا وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا كَالْحَدِّ وَغَيْرِ الْمُقَدَّرِ كَالتَّعْزِيرِ، فَلَا يَضْمَنُ فِي الْمُقَدَّرِ وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْعُدْوَانِ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْنَاتُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute