١٣٩٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِمَنْ يَبْدَأهُ بِالسَّبِّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَسَابَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ».
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَدِي وَلَا يَسُبُّهُ بِأَمْرٍ كَذِبٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِذَا انْتَصَرَ الْمَسْبُوبُ اسْتَوْفَى ظُلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ الِابْتِدَاءِ، وَالْإِثْمُ الْمُسْتَحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ بَرِئَ مِنْ الْإِثْمِ وَيَكُونُ عَلَى الْبَادِئِ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ لَا لِلْإِثْمِ. وَيَجُوزُ فِي حَالِّ الْغَضَبِ لِلَّهِ تَعَالَى «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ: إنَّك امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» وَقَوْلِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَقَوْلِ أُسَيْدٍ لِسَعْدٍ: إنَّمَا أَنْتَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَهِيَ بِمَحْضَرِهِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ مَنْ يُقَاتِلُ الْمُسْلِمُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ اسْتَحَلَّ قَتَلَ الْمُسْلِمِ أَوْ قَاتَلَهُ حَالَ إسْلَامِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ مَجَازًا وَيُرَادُ بِهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَالْإِحْسَانِ وَأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لَا كُفْرُ الْجُحُودِ وَسَمَّاهُ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَئُولُ بِهِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَعَاصِي مِنْ الرَّيْنِ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى يُعْمَى عَنْ الْحَقِّ فَقَدْ يَصِيرُ كُفْرًا أَوْ أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكَافِرِ الَّذِي يُقَاتِلُ الْمُسْلِمَ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْلِمِ شَرًّا نَحْوُ قَوْلِهِ {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} وَالظَّنُّ هُوَ مَا يَخْطِرُ بِالنَّفْسِ مِنْ التَّجْوِيزِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّحَّةِ، وَالْبُطْلَانِ فَيَحْكُمُ بِهِ يَعْتَمِلُ عَلَيْهِ كَذَا فَسَّرَ الْحَدِيثَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ التُّهْمَةُ وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ عَنْ التُّهْمَةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لِمَا يُوجِبُهَا كَمَنْ اُتُّهِمَ بِالْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُرَادُ التَّحْذِيرُ مِنْ تَحْقِيقِ التُّهْمَةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَتَقَرُّرِهَا فِي النَّفْسِ دُونَ مَا يَعْرِضُ وَلَا يَسْتَقِرُّ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَمَّا تَحَدَّثَتْ بِهِ الْأُمَّةُ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَتْمٌ وَلَا فُحْشٌ وَلَا فُجُورٌ وَيُقَيِّدُ إطْلَاقَهُ حَدِيثُ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْعَسْكَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا: يَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ. أَخْرَجَهُ الْقُضَاعِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute