«إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ ") أَيْ إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ لِقَوْلِهِ [فَاجْتَهَدَ] فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ قَبْلَ الْحُكْمِ [ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ فَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ] أَيْ لَمْ يُوَافِقْ مَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُكْمِ [" فَلَهُ أَجْرٌ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ قَدْ يُصِيبُهُ مَنْ أَعْمَلَ بِفِكْرِهِ وَتَتَبَّعَ الْأَدِلَّةَ وَوَفَّقَهُ اللَّهُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ وَأَجْرُ الْإِصَابَةِ. وَاَلَّذِي لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ هُوَ مَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مُجْتَهِدًا.
قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ أَخْذِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ: وَلَكِنَّهُ يُعَزُّ وُجُودُهُ بَلْ كَادَ يُعْدَمُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَعَ تَعَذُّرِهِ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ أُصُولَ إمَامِهِ وَأَدِلَّتَهُ وَيُنْزِلُ أَحْكَامَهُ عَلَيْهَا فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصًا مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْ (قُلْت) وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْبُطْلَانِ. وَإِنْ تَطَابَقَ عَلَيْهِ الْأَعْيَانُ وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ دَعْوَى تَعَذُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِإِرْشَادِ النُّقَّادِ إلَى تَيْسِيرِ الِاجْتِهَادِ بِمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَمَا أَرَى هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهَا الْأَنْظَارُ إلَّا مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ أَعْنِي الْمُدَّعِينَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْمُقَرِّرِينَ لَهَا - مُجْتَهِدُونَ يَعْرِفُ أَحَدُهُمْ مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهَا الِاسْتِنْبَاطَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَرَفَهُ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَكَّةَ وَلَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَمَنِ وَلَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَاضِيه فِيهَا وَعَامِلُهُ عَلَيْهَا وَلَا شُرَيْحٌ قَاضِي عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْكُوفَةِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فَمِنْ شَرْطِهِ أَيْ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ وَأَنْ يَتَحَقَّقَ أُصُولَهُ وَأَدِلَّتَهُ أَيْ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ أُصُولَ إمَامِهِ وَأَدِلَّتَهُ وَيُنْزِلُ أَحْكَامَهُ عَلَيْهَا فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصًا مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الِاجْتِهَادُ الَّذِي حُكِمَ بِكَيْدُودَةِ عَدَمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَسَمَّاهُ مُتَعَذِّرًا فَهَلَّا جَعَلَ هَذَا الْمُقَلِّدُ إمَامَهُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِوَضًا عَنْ إمَامِهِ وَتَتَبَّعَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِوَضًا عَنْ تَتَبُّعِ نُصُوصِ إمَامِهِ وَالْعِبَارَاتُ كُلُّهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ فَهَلَّا اسْتَبْدَلَ بِأَلْفَاظِ إمَامِهِ وَمَعَانِيهَا أَلْفَاظَ الشَّارِعِ وَمَعَانِيهَا وَنَزَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute