١٢٢٩ - وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ «هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو:
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ النَّهْيِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافُ أَصْلِهِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْأَقَلُّ. وَإِلَى التَّحْرِيمِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى جَوَازِ الِابْتِدَاءِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّهُ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ، وَلَا يُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهَذَا إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ مُنْفَرِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مُسْلِمٌ جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ يَنْوِي بِهِ الْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا تَبْدَءُوا أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الْجَوَابِ عَلَيْهِمْ إنْ سَلَّمُوا، وَيَدُلُّ لَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وَأَحَادِيثُ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْك» وَفِي رِوَايَةٍ " قُلْ وَعَلَيْك " أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَهُوَ هَكَذَا بِالْوَاوِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَاتٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْفَ بِالْوَاوِ، قَالُوا: وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إذَا حُذِفَ صَارَ كَلَامُهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِذَا أَثْبَتَ الْوَاوَ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوا، قَالَ النَّوَوِيُّ: إثْبَاتُ الْوَاوِ وَحَذْفُهَا جَائِزٌ إنْ صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ فَإِنَّ الْوَاوَ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْمُشَارَكَةَ فَالْمَوْتُ هُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَلَا امْتِنَاعَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إلْجَائِهِمْ إلَى مَضِيقِ الطُّرُقِ إذَا اشْتَرَكُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الطَّرِيقِ فَيَكُونُ وَاسِعُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ تَعَمُّدِ جَعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى يَسَارِهِمْ إذَا لَاقَاهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَشَيْءٌ ابْتَدَعُوهُ لَمْ يُرْوَ فِيهِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ التَّفَاؤُلَ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِمَّا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ لِشِدَّةِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَيْهِ وَمُضَادَّةِ الْمُسْلِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute